للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاختلاف في الحقيقة والصفة، دون الجهة والحيز والقدر، لكانت مباينته لخلقه، من جنس مباينة العرض لعرض آخر حال في محله، أو مباينة الجسم للعرض الحال في محله، وهذا يقتضي أن مباينته للعالم، من جنس تباين الشيئين، اللذين هما في حيز واحد ومحل واحد، فلا تكون هذه المباينة تنفي أن يكون هو والعالم في محل واحد؛ بل إذا كان العالم قائمًا بنفسه، وكانت مباينته له من هذا الجنس، كانت مباينته للعالم مباينة للجسم الذي قام به، ويكون العالم كالجسم، وهو معه كالعرض، وذلك يستلزم أن تكون مباينته للعالم مباينة المفتقر إلى العالم وإلى محل يحله، لا سيما والقائم بنفسه مستغن عن الحال فيه. وهذا من أبطل الباطل، وأعظم الكفر؛ فإن الله تعالى غني عن العالمين كما تقدم.

ومن هنا جعله كثير من الجهمية حالًّا في كل مكان، وربما جعلوه نفس الوجود القائم بالذوات، أو جعلوه الموجود المطلق، أو نفس الموجودات، وهذا كله مع أنه من أبطل الباطل، وهو تعطيل للصانع، ففيه من إثبات فقره وحاجته إلى العالم ما يجب تنزيه الله عنه، وهؤلاء زعموا أنهم نزهوه عن الحيز والجهة لئلا يكون مفتقرًا إلى غيره، فأحوجوه بهذا التنزيه إلى كل شيء، وصرحوا بهذه الحاجة، كما ذكنا في غير هذا الموضع. فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١)

<<  <  ج: ص:  >  >>