للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غرض، بمنزلة الساكن الذي لا يفعل، وهذا يقال فيه: إنه جامد، ويقال: في ذلك إنه عابث، والجامد والعابث خير من العدم المحض، لا سيما إذا كان متصفًا بسائر صفات الكمال.

الثالث: ما تركب من هذين الوجهين، وهو أنهم مع التزام المحالات التي زعموا أنهم فروا منها، ومع التزام ما هو شر مما فروا منه، لم يستفيدوا بذلك إلا جحود الصانع -تعالى وتقدس رب العالمين- الذي هو أصل كل باطل، وكفر وكذب وتناقض وشر في الوجود، كما أن الإيمان به أصل كل حق وهدى، وصدق واستقامة وخير في الوجود.

وهكذا يقال لهم في فعل القبائح، وعدم فعلها من وجوه:

أحدها: أن هذا لازم لكم، فيما تصفونه بأنه واجب لذاته قديم، وهذا لا بد منه على كل تقدير، ولا مندوحة عنه.

الثاني: أن يقال تجويز تصديق الكاذب أو الكذب، أكثر ما يقال فيه إنه يستلزم بطلان الرسالة، والخبر عن الثواب والعقاب، وهذا المحذور أخف بكثير من محذور نفي الصانع. فهل يسوغ في العقل، أن نجحد الصانع وخلقه للعالم، لأن ثبوت ذلك يستلزم بطلان النبوة والوعد والوعيد؟! فإنه يقال لذلك: وأنت إذا نفيته بطلت النبوة والوعد والوعيد أيضًا، وبطل أضعاف هذا من أمور الديانات فبتقدير أن يكون هذا لازمًا على التقديرين، لا يجوز أن يحتج به على نفي أحدهما، مع كثرة المحاذير على هذا التقدير؛ بل غاية ما يقال: إذا قدر أنه لازم فليس بمحذور، ومعلوم أن الإقرار بالصانع تعالى، مع الكفر بالرسل والمعاد،

<<  <  ج: ص:  >  >>