للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرسّ: البئر التي لم تبنَ بالحجارة. واصحاب الرسّ: قوم شعيب. الأيكة: الشجر الكثير الملتف، وهم من قوم شعيب ايضا. تُبَّع: احد ملوك حمير في اليمن. أفعَيِينا: أفَعجِزنا. في لبس: في شك. الوسوسة: حديث النفس، وما يخطر بالبال. حبل الوريد: عِرق كبير في العنق. قعيد: مقاعد له كالجليس بمعنى المجالس. رقيب: مراقب. عتيد: مهيأ، حاضر. سكرة الموت: شدّته. تَحيد: تميل. يوم الوعيد: يوم وقوع العذاب الذي وُعدوا به. سائق وشهيد: سائق يسوقها الى المحشر، وشاهد يشهد عليها. الغطاء: الحجاب. وهو الغفلة والانهماك في اللذات، وقصر النظر. حديد: قوي نافذ.

بعد ان ذكر اللهُ تعالى تكذيبَ المشركين للنبيّ - ذكر المكذِّبين للرسُل من الأقوام السابقة مثل قوم نوحٍ وأصحابِ الرسّ وثمود، وعادٍ وفرعون وقوم لوط وقوم تُبَّع وغيرهم، وما آل اليه أمرُهم من الدمار والعذاب. وكل ذلك تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم وتهديد لكفار قريش بأنهم سيصيبهم ما أصابَ الذين قبلهم إن أصرّوا على الكفر والعناد. ثم بعد هذا العرض يقول الله تعالى:

{أَفَعَيِينَا بالخلق الأول بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}

هل عجَزنا عن ابتداء الخلْق الأول، حتى نعجِزَ عن إعادتهم مرة اخرى! بل هم في ريبٍ من ان نخلقهم من جديد. {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [الأنبياء: ١٠٤] .

ثم ذكر الله تعالى دليلاً اخر على إمكانه وقدرته، وهو علمُه بما في صدور الناس جميعا:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}

فلا يخفى علينا شيءٌ من أمرِ البشر.

ثم بين أكثر من ذلك بقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد}

ونحن لعلمِنا بأحواله كلها اقربُ اليه من عِرق الوريد، الذي هو في جسده ذاته.

أخرج ابنُ مردويه عن أبي سعيد الخدريّ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نزل اللهُ في ابن آدم أربع منازل: هو أقربُ اليه من حبل الوريد، وهو يحُول بين المرء وقلبه، وهو آخذ بناصيةِ كل دابة، وهو معهم أينما كانوا» .

ثم ذكر اللهُ تعالى ان الانسانَ موكَّلٌ به مَلَكان يكتبان ويحفظان عليه عملَه وأقواله، فهو تحت رقابة دائمةٍ شديدة دقيقة، وكل شيء مسجَّلٌ عليه تسجيلاً دقيقا.

ثم بعد ذلك يبين الله تعالى أن الانسانَ عند الموت ينكشفُ له كل شيء فقال:

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} .

ومعنى ذلك أن النفسَ وهي في سكرات الموت ترى الحقَّ كاملاً واضحاً، تراه بلا حجاب في تلك الساعة، وتدرك ما كانت تجهل، وهو الحق الذي كنتَ تفرّ منه ايها الكافر، ها قد جاءك فلا حيدَ عنه ولا مناص.

ثم بعد ذلك ينعطف الحديث الى يوم القيامة:

{وَنُفِخَ فِي الصور ذَلِكَ يَوْمُ الوعيد. . .}

ونفخ في الصور نفخةَ البعث، وذلك اليوم {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين} [المطففين: ٦] ، هو يومُ الوعيد الذي اوعد اللهُ الكفّارَ أن يعذّبهم فيه بعد الحساب. يومذاك تأتي كل نفسٍ إلى ربّها ومعها سائقٌ يسوقها اليه، وشاهدٌ يشهد عليها بما عملتْ في الدنيا من خير او شر.

ثم يقال للمكذَِّب: لقد كنتَ في الدنيا في غفلةٍ تامة عن هذا الذي تراه من الأهوال والشدائد، فأزلنا عنكَ الحجابَ الذي كان يغطّي عنك أمور الآخرة، {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} قويّ نافذٌ لا يحجبه شيء، فلا مهرب عن عذاب الحريق.

<<  <  ج: ص:  >  >>