للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خفافا: جمع خفيف والمراد النشاط والسرعة في الحركة ومن يستطيع التأهب بيسر. ثقالا: جمع ثقيل وهو كل من وجد صعوبة في السفر والتأهب اليه بمشقة. اي انفروا على كل حال. لو كان عرضا قريبا: كل ما يعرض للانسان مما فيه منفعة يحصل عليها بسهولة. وسفراً قاصدا: هينا لا مشقة. الشقة: الطريق التي فيها تعب وعناء.

بد ان توعدّ من لم ينفِروا مع الرسول وتثاقلوا حين استنفرهم، جاء بأمر حازم لا هوادةَ فيه، فأوجب النفير العام على كل فرد، فلا عذرَ لأحدٍ التي في التخلّف وتركِ الطاعة.

{انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله} .

أيها المؤمنون. إذا دعى داعي الجهاد فلبُّوا النداء، وانفِروا على كل حال، من يُسرٍ او عسرِ، او صحة او مرض. فعندما يعتدي عدوّ على بلد من بلاد الاسلام يجب الجهادُ على كل فرد قادر ولو بمشقّة، فاذا أُعِلن النفِيرُ العام وجَبَ الامتثال إلا في حال العجزِ التام، وهو ما بيّنه الله تعالى بقوله: {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٩١] .

وجاهِدوا أعداءكم الذين يقاتلونكم ويعتدون على بلادِكم. . . بأموالكم وأنفسكم، فمن استطاع الجهادَ بماله وبنفسه وجب ذلك عليه، ومن قَدَر على أحدهما وجبَ عليه ما كان في مقدرته والآن بماله وبنفسه وجب ذلك عليه، ومن قَدَر على أحدهما وجبَ عليه ما كان في مقدرته. والآن، والعدو يحتلّ جزاءا غالياً من بلادنا المقدسة هو فلسطين، فإن الجهاد واجب بالمال والنفس على كل مُسلمٍ وعربيّ في جميع بلاد الإسلام، وكل من يتخلّف فهو آثم ومقصِّر، وخارج عن طاعة اللهِ ورسوله. وقد قال أبو بكر الصدّيق رضي الله عن هـ: «ما تكتْ أمةٌ الجهادَ إلا وقَرَنَها الله بالذلّ» .

{ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} .

إنَّ الذي أُمرتم به من النفير العام والجهاد في سبيل الله- هو الوسيلةُ في حِفظِ كيان الأمة وعلو كلمتها. وهو خير لكم في دِينكم ودُنياكم. . . أما في الدين فلا سعادة الا لمن ينصر الحقَّ ويُقيم العدل. وأما في الدنيا فلا عزّ لأمةٍ إى بالقوة، فهي وسيلة لدفع العدوّ وكبحِ جماحه. وقد علم فضلَ ذلك أسلافنا من المؤمنين الصادقين فامتثلوا واهتدوا ففتحوا البلادَ واسدوا العباد.

قال القرطبي عند تفسير هذ الآية: «قال ابن العربي: ولقد نَزلَ بنا العدوُّ - قصمه الله- سنة سبعٍ وعشرين وخمسمائة، فجاس ديارَنا وأسَرَ خِيرتنا، وتوسّط بلادنا في عدد هالَ الناسَ عددُه، فقلت للوالي عليه: هذا عدوُّ الله قد حَصَل في الشَرَك والشبكة، فلتكنْ عندكم بَرَكة، ولتظهرْ منكم إلى نُصرة الدين المتعيِّنةِ عليكم حَرَكة، فليخرجْ إليه جميع الناسِ حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار، فيُحاط به، فإنه هالك لا محالةَ ان يسَّركم الله له.

<<  <  ج: ص:  >  >>