للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠١ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو الْعَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ، قثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.

وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالُوا: لَمَّا اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: «يَا عَمُّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاصِرٌ دِينَهُ بِقَوْمٍ يَهُونُ عَلَيْهِمْ رَغْمَ قُرَيْشٍ عِزًّا فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَامْضِ بِي إِلَى عُكَاظٍ فَأَرِنِي مَنَازِلَ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ يَمْنَعُونِي وَيُئْوُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا أَرْسَلَنِي بِهِ» .

قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: يَا ابْنَ أَخِي امْضِ إِلَى عُكَاظٍ فَإِنِّي مَاضٍ مَعَكَ حَتَّى أَدُلَّكَ عَلَى مَنَازِلِ الأَحْيَاءِ، فَبَدَأَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِثَقِيفٍ، ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْقَبَائِلَ فِي سُنَّتِهِ , فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعْلِنَ الدُّعَاءَ، لَقِيَ السِّتَّةَ النَّفَرِ الْخَزْرَجِيِّينَ وَالإِخْوَةَ: أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ، وَأَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيِّهَانِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَسَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ، وَالنُّعْمَانَ بْنَ حَارِثَةَ، وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَلَقِيَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامِ مِنًى عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَيْلا، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، وَالْمُؤَازَرَةُ عَلَى دِينِهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَقَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: ١٢٦] .

إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَرَقَّ الْقَوْمُ وَأَخْبَتُوا حَتَّى سَمِعُوا مِنْهُ، فَأَسْمَعُوا وَأَجَابُوهُ، فَمَرَّ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يُكَلِّمُهُمْ وَيُكَلِّمُونَهُ فَعَرَفَ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: «يَا عَمُّ سُكَّانُ يَثْرِبَ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَقَدْ دَعَوْتُهُمْ إِلَى مَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الأَحْيَاءِ , فَأَجَابُونِي وَصَدَّقُونِي وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يُخْرِجُونِي إِلَى بِلادِهِمْ» .

فَنَزَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقَدَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ هَذَا ابْنُ أَخِي وَهُو أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ , فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِهِ وَأَرَدْتُمْ إِخْرَاجَهُ مَعَكُمْ , فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِي أَنْ لا تَخْذُلُوهُ وَلا تُغْرُوهُ، فَإِنَّ جِيرَانَكُمُ الْيَهُودُ وَهُمْ لَهُ عَدُوٌّ وَلا آمَنُ مَكْرَهُمْ عَلَيْهِ.

فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَشَقَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْعَبَّاسِ حِينَ اتَّهَمَ عِلْيَةَ أَسْعَدَ وَأَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لَنَا فَلْنُجِبْهُ غَيْرَ مُخْشِنِينَ بِصَدْرِكَ وَلا مُتَعَرِّضِينَ لِشَيْءٍ مِمَّا تَكْرَهُ إِلا تَصْدِيقًا لإِجَابَتِنَا إِيَّاكَ وَإِيمَانًا بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَجِيبُوهُ غَيْرَ مُتَّهَمِينَ» .

فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِكُلِّ دَعْوَةٍ سَبِيلا إِنْ لِينًا وَإِنْ شِدَّةً، وَقَدْ دَعَوْتَنَا الْيَوْمَ إِلَى دَعْوَةٍ مُتَجَهِّمَةٍ لِلنَّاسِ مُتَّوَعِّدَةٍ عَلَيْهِمْ، دَعَوْتَنَا إِلَى تَرْكِ دِينِنَا وَاتِّبَاعَكَ عَلَى دِينِكَ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ، وَدَعَوْتَنَا إِلَى قَطْعِ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْجِوَارِ وَالأَرْحَامِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ، وَدَعَوْتَنَا وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ فِي دَارِ عِزٍّ وَسَعَةٍ لا يَطْمَعُ أَحَدٌ فِينَا أَنْ يَرُوسَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ غَيْرِنَا قَدْ أَفْرَدَهُ قَوْمُهُ وَأَسْلَمَهُ أَعْمَامُهُ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ، وَكُلُّ هَؤُلاءِ الرُّتَبِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ النَّاسِ، إِلا مَنْ عَزَمَ اللَّهُ لَهُ عَلَى رُشْدِهِ وَالْتَمَسَ الْخَيْرَ فِي عَوَاقِبِهَا، وَقَدْ أَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِنَا وَصُدُورِنَا وَأَيْدِينَا إِيمَانًا بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَتَصْدِيقًا بِمَعْرِفَةٍ ثَبَتَتْ فِي قُلُوبِنَا، نُبَايِعُكَ عَلَى ذَلِكَ وَنُبَايِعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَبَّنَا وَرَبَّكَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِينَا، دِمَاؤُنَا دُونَ دَمِكَ، وَأَيْدِينَا دُونَ يَدِكَ، نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَإِنْ نَفِي بِذَلِكَ فَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفِي وَنَحْنُ بِهِ أَسْعَدُ، وَإِنْ نَغْدِرْ فَبِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَغْدِرُ وَنَحْنُ بِهِ أَشْقَى، هَذَا الصِّدْقُ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُعْتَرِضُ لَنَا فَالْقَوْلُ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ، ذَكَرْتَ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيكَ وَأَنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ فَنَحْنُ قَدْ قَطَعْنَا فِيهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَذَا الرَّحِمِ، وَنَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ، لَيْسَ بِكَذَّابٍ وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لا يُشْبِهُ كَلامَ الْبَشَرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ لا تَطْمَئِنُّ إِلَيْنَا فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَأْخُذَ مَوَاثِيقَنَا , فَهَذِهِ خَصْلَةٌ لا نَرُدُّهَا عَلَى أَحَدٍ أَرَادَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخُذْ مَا شِئْتَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خُذْ لِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ وَاشْتَرِطْ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَشْتَرِطُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَلِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ» .

قَالُوا: فَذَلِكَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ مَعَ عُهُودِكُمْ وَذِمَّةُ اللَّهِ مَعَ ذِمَمِكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ، تُبَايِعُونَهُ وَتُبَايِعُونَ اللَّهَ رَبَّكُمْ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيكُمْ , لَتَجِدُّنَّ فِي نَصْرِهِ، وَلَتَشُدُّنَّ لَهُ مِنْ أَزْرِهِ، وَلَتُوفُنَّ لَهُ بِعَهْدِهِ بِدَفْعِ أَيْدِيكُمْ وَصَرْخِ أَلْسِنَتِكُمْ وَنُصْحِ صُدُورِكُمْ، لا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ رَغْبَةٌ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهَا وَلا رَهْبَةٌ أَشْرَفَتْ عَلَيْكُمْ، وَلا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِكُمْ، قَالُوا جَمِيعًا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ رَاعٍ كَفِيلٌ.

قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَامِعٌ شَاهِدٌ وَإِنَّ ابْنَ أَخِي قَدِ اسْتَرْعَاهُمْ ذِمَّتَهُ وَاسْتَحْفَظَهُمْ نَفْسَهُ، اللَّهُمَّ فَكُنْ لابْنِ أَخِي عَلَيْهِمْ شَهِيدًا.

فَرَضِيَ الْقَوْمُ بِمَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ وَرَضِيَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِمَا أَعْطَوْهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ كَانُوا قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا أَعْطَيْنَاكَ ذَلِكَ فَمَا لَنَا؟ قَالَ: «رِضْوَانُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةُ» .

قَالُوا: قَدْ رَضِينَا وَقَبِلْنَا، فَأَقْبَلَ أَبُو الْهَيْثَمِ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ وَمَوْلِدِهِ وَعَشِيرَتِهِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ خَاذِلِيهِ أَوْ مُسْلِمِيهَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لِبَلاءٍ نَزَلَ بِكُمْ فَالآنَ , فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتَرْمِيكُمْ فِيهِ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ عَنِ الأَنْفُسِ وَالأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ؟ فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعًا: لا , بَلْ نَحْنُ مَعَهُ بِالْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَعَلَّكَ إِذَا حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ وَقَطَعْنَا مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ وَالأَرْحَامِ وَحَمَلَتْنَا الْحَرْبُ عَلَى سِيسَائِهَا وَكَشَفَتْ لَنَا عَنْ قِنَاعِهَا لَحِقْتَ بِبَلَدِكَ، فَتَرَكْتَنَا وَقَدْ حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «الدَّمَ الدَّمَ، الْهَدْمَ الْهَدْمَ» .

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: خَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ حَتَّى نُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَبَقَهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى بَيْعَتِهِ، فَقَالَ: أَنَا أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الاثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الاثْنَا عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ.

فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ: أُبَايِعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ أُتِمَّ عَهْدِي بِوَفَائِي، وَأَصْدُقَ قَوْلِي بِفِعْلِي فِي نُصْرَتِكَ.

وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ: أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى الإِقْدَامِ فِي أَمْرِ اللَّهِ لا أُرَاقِبُ فِيهِ الْقَرِيبَ وَلا الْبَعِيدَ، فَإِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِلْنَا بِأَسْيَافِنَا هَذِهِ عَلَى أَهْلِ مِنًى.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ» .

وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى أَنْ لا تَأْخُذَنِي فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ.

وَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لا أَعْصِيَكُمَا وَلا أُكَذِّبَكُمَا حَدِيثًا.

فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ إِلَى بِلادِهِمْ رَاضِينَ مَسْرُورِينَ، وَسُرُّوا مَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ وَحُسْنِ إِجَابَةِ قَوْمِهِمْ لَهُمْ، حَتَّى وَافَوْهُ مِنْ قَابِلٍ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلا

<<  <   >  >>