للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• في الباب فوائد منها:

الفائدة الأولى: امتحان العالم لأذهان أصحابه بما يخفى عليهم، مع بيانه لهم إن لم يفهموه، وهذه هي طريق الاستنباط والمناقشة في التعلم، لكن يشترط في هذا الاختبار ألا يكون الأمر خفيًّا خفاءًا تامًّا، ولابد أن يذكر السائل بعض القرائن، كقوله «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا»، وقول ابن عمر : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ وَهُوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا.

الفائدة الثانية: التحريض على الفهم في العلم، والحث على ذلك.

الفائدة الثالثة: أن يوثق بالصغير أحيانًا ما لم يوثق فيه بالكبير؛ لأن العلم عطاء وهبات من الله، ولذلك كان عمر يُدخِل ابن عباس مع أشياخ الصحابة الكبار، ففي البخاري: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ» قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رأِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢)[النصر: ١ - ٢] حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ» (١).


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٥/ ١٤٩ ح ٤٢٩٤) وفي أكثر من موضع ط طوق النجاة.

<<  <   >  >>