للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• حتى قال أبو سلمة: لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علمًا كثيرًا (١)، لكنه كان يجادله ويماريه كثيرًا، بخلاف عبيد الله كان ابن عباس يغره غرًّا، وإن تسبب التلطف في ترك بعض العلم الذي يحتاجه المرء أحيانًا، فعن إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى ابْنِ بِنْتِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " دَخَلْنَا إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَنَحْنُ جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَحَدَّثَنَا بِسَبْعَةِ أَحَادِيثَ، فَاسْتَزَدْنَاهُ، فَقَالَ: " مَنْ كَانَ لَهُ دِينٌ فَلْيَنْصَرِفْ، فَانْصَرَفَتْ جَمَاعَةٌ، وَبَقِيَتْ جَمَاعَةٌ أَنَا فِيهِمْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ حَيَاءٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَانْصَرَفَتْ جَمَاعَةٌ، وَبَقِيَتْ جَمَاعَةٌ أَنَا فِيهِمْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ مُرُوءَةٌ فَلْيَنْصَرِفْ، فَانْصَرَفَتْ جَمَاعَةٌ، وَبَقِيَتْ جَمَاعَةٌ أَنَا فِيهِمْ، فَقَالَ: يَا غِلْمَانُ افْقأْهُمْ فَإِنَّهُ لَا بُقْيَا عَلَى قَوْمٍ لَا دِينَ لَهُمْ، وَلَا حَيَاءَ، وَلَا مُرُوءَةَ (٢).

الفائدة الثامنة: أنَّ لكل مقام مقالًا، فمع حلم النبي وتواضعه، لكنه لم يقل للرجل لما ناداه: يا ابن عبد المطلب. لبيك، بل قال قد أجبتك؛ لأن الرجل لم يحسن الطلب فأجابه النبي بصورة غير الصورة التي كان يرد بها النبي على غيره؛ ولذلك يوصي أهلُ العلمِ الطالبَ: أن يكون عنده مقدمات لهذا العلم من التعظيم والاحترام والتبجيل والتقدير لأهل العلم، فإذا أراد أن يسأل أحدهم بدأ بالدعاء له، وتلطف في القول، ونحوها من الآداب التي ترقق قلب الشيخ والمعلم.

• وحُكِي أن فتوى وردت من السلطان إلى الطبري لم يكتب له الدعاء فيها، فكتب في أسفل الرسالة الجواب، ولم يزد على ذلك، فلما عادت الرقعة إلى السلطان علم أن ذلك كان للتقصير في الخطاب، فاعتذر إليه (٣).

• وأرسل الخليفة إلى ربيعة فقال له: يا ربيعة حدثنا حدثنا، فقال ربيعة: لا أحدثك شيئًا وتركه وانصرف، فلما خرج قال للناس: أترون هذا الذي يطلب مني


(١) أخرجه الآجري في أخلاق حملة القرآن (٦٥)، والدارمي في سننه (٤١٨) بإسناد صحيح.
(٢) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (١/ ٢١٥) ط مكتبة المعارف.
افْقأْهُمْ: أخرجهم.
(٣) الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (٢/ ٣٨٣) ط دار ابن الجوزي بتصرف.

<<  <   >  >>