للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تغير خاطر الناصر عليه في أواخر نيابته، ودبَّت عقارب الفتن بينهما، فصودر وسُجن بالإسكندرية، حيث مات، قيل مخنوقًا، وقيل: مسمومًا، وقيل: غير ذلك، في المحرم سنة ٧٤١ هـ، وتأسف الناس عليه كثيرًا وطال حزنهم عليه (١).

[٢ - الحياة الاجتماعية]

ارتاح الناس من الخطر القادم من الشرق أو الشمال بعد الانتصار على التتار في مرج الصفر جنوب دمشق سنة (٧٠٢ هـ)، وبقيت عيونهم مسَمَّرة على الساحل الغربي حيث طيف الخطر الصليبي. وآثار التدمير المغولي والتخريب الصليبي ماثل للعيان، وأوصال الأمة متقطعة، والأخبار منقطعة، وبخاصة في هذا القرن الثامن، فالقارئ لتاريخ ابن كثير لا يجد أي أخبار عن بغداد أو عن بلاد المغرب، وكأن العالم اختصر في دمشق والقاهرة.

والبعد الزمني عن الهجرة النبوية والقرون الخيِّرة الأولى، أدى إلى اختلاف وانقسام، وضعف في التطبيق العملي لمبادئ الإسلام.

فالحاكم السلطان ونوابه يتفنون في فرض الضرائب، ويتوسعون في منح الإقطاعات، لضمان جمع أكبر قدر من الأموال، مما يزيد في تراجع الزراعة، وتخلف الصناعة، وإفلاس التجارة، وتفشي البطالة، وغلاء الأسعار.

والمرأة يرتكس دورها في بناء الأسرة وصلاح المجتمع، فتثطلع إلى حبس زوجها إذا عجز عن النفقة، أو تأخر عن طلبها مؤخر صداقها، وتلبس الثياب ذات الأكمام العريضة والأزرار الحريرية، والأحذية المزركشة، التي تثير الغرائز أو تكشف عن المفاتن، مما يستدعي تدخل السلطان (٢) ومنعها. وربما يسهم الفقر في انتشار البغاء، وظهور نساء متنفذات يضمنَّ عمل البغايا، ثم يُبطل السلطان ذلك، وتنتشر الأغاني الخليعة وما يصاحبها من فسق وخمر، رغم فتاوى العلماء بتحريم ذلك، وكتابتهم أن هؤلاء المغنين هم "نوَّاحو جهنم" وأن السامعين لهم يُعذَّبون في قبورهم، ويُحاسبون يوم حشرهم.

وتزداد الحياة الاجتماعية سوءًا بتعرُّض البلاد لكثير من الجوائح والكوارث الطبيعية، كالفيضانات والزلازل والجراد، وإصابتها بالمجاعات والأوبئة؛ كالطاعون الذي يحصد الناس حصدًا، ويذهب منهم في اليوم الواحد بالمئات والألوف.

والناس الفقراء والمتبطلون يتبلَّد حسُّهم الجماعي، ويرضون بالواقع المر والظلم الغاشم،


(١) انظر البداية والنهاية (١٦/ ٢٩٢).
(٢) المصدر السابق (١٦/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>