للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ولد له عدة أولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها، أكبرهم إسماعيل ثم يونس وإدريس، ثم من الوالدة عبد الوهاب وعبد العزيز ومحمد وأخوات عدة، ثم أنا أصغرهم، وسُمّيت باسم الأخ إسماعيل لأنه كان قد قدم دمشق فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده وقرأ (١) مقدمة في النحو، وحفظ (التنبيه) (٢) وشرحه على العلامة تاج الدين الفزاري، وحصّل (المنتخب) في أصول الفقه، قاله لي شيخنا ابن الزَّمْلَكاني، ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية فمكث أيامًا ومات، فوَجَدَ الوالد عليه وَجْدًا كثيرًا، ورثاه بأبيات كثيرة، فلما وُلِدْتُ له أنا بعد ذلك سمَّاني باسمه، فأكبر أولاده إسماعيل وآخرهم وأصغرهم إسماعيل (٣)، فرحم الله من سلف وختم بخير لمن بقي.

توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمئة، بقرية مُجَيدل القُرَيَّة (٤)، ودفن بمقبرتها الشّمالية عند الزيتونة، وكنت إذ ذاك صغيرًا ابن ثلاث سنين أو نحوها، لا أُدركه إلا كالحُلُم، ثم تحوّلنا من بعده في سنة سبع وسبعمئة إلى دمشق صحبة الأخ (٥) كمال الدين عبد الوهاب، وقد كان لنا شقيقًا، وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسر الله تعالى منه ما يسّر، وسهّل منه ما تعسر. والله أعلم (٦).


(١) في ب: وقرأ عليه.
(٢) التنبيه في فروع الشافعية: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفّى سنة (٤٧٦ هـ) وله شروح كثيرة. كشف الظنون (١/ ٤٨٩).
(٣) في ب: فأول أولاده إسماعيل وأصغرهم إسماعيل.
(٤) في ط: في قرية، وفي الدارس (١/ ٣٠١) وفيه: سميت كذلك لتمييزها عن مجيدل السويداء.
(٥) ليست في ط.
(٦) زاد في المطبوع خبرًا عن البرزالي في ترجمة والد ابن كثير، ليس في الأصول الخطِّيَّة. وقال: إنه زيادة من نسخة أخرى، لم أهتد إليها. قلت: وهو في طبعة هجر ١٨/ ٤٢ - ٤٤.
وهو:
وقد قال شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في معجمه فيما أخبرني عنه شمس الدين محمد بن سعد المقدسي مخرجه له، ومن خط المحدّث شمس الدين بن سعد هذا نقلت، وكذلك وقفت على خط الحافظ البرزالي مثله في السّفينة الثانية من السّفن الكبار.
قال: عمر بن كثير القرشي خطيب القُرَيَّة وهي قرية من أعمال بُصرى، رجل فاضل له نظم جيد ويحفظ كثيرًا من اللُّغْز، وله همة وقوة، كتبت عنه من شعره بحضور شيخنا تاج الدين الفزاري، وتوفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمئة بمجيدل القرية من عمل بُصرى.
أنشدنا الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير القرشي خطيب القُرَيَّة بها لنفسه في منتصف شعبان من سنة سبع وثمانين وستمئة: [من الطويل]
نأَى النومُ عن جَفني فبتُّ مسهَّدا … أخا كَلَفٍ حِلْفَ الصبابة موجدا
سمير الثُّريَّا والنجوم مدلَّهًا … فمِن وَلَهي خِلت الكواكب رُكَّدا
طريحًا على فُرُشِ الصبابة والأسى … فما ضركم لو كنتمُ ليَ عُوَّدا =

<<  <   >  >>