للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسطية الإسلام؛ فلم يمنع النفس البشرية من غريزتها ولم يترك لها الحبل على الغارب، وإنما أعطاها ما تشتهي في سياج من الطهر والنقاء والعفاف والميثاق الغليظ.

فالعمل المباح يَنقلب إلى طاعة وقُربة إذا صاحبه نِيَّة طيبة؛ لذا قال معاذ بن جبل ? لأبي موسى الأشعري: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائمًا وقاعدًا وعلى راحلتي، وأتفوقه تفوقًا (١). قال أبو موسى: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل؛ فأقومُ وقد قضيت جزئي من النَّوم، فأقرأ ما كَتَب الله لي؛ فأَحتسب نَومتي كما أحتسبُ قَوْمَتِي» (٢)؛ «فكأنَّ معاذَ بن جبل فَضَلَ عليه» (٣).

فكان ? يَحتسب الأجر في النوم كما يحتسبه في قيام الليل؛ لأنَّه أراد بالنَّوم التَّقَوِّي على العبادة والإعانة على الطَّاعة.

قال الحافظُ ابنُ حَجَر: «ومعناه: أنَّه يَطلب الثواب في الرَّاحة كما يَطلبه في التعب؛ لأنَّ الراحة إذا قُصد بها الإعانة على العبادة حَصلت الثواب» (٤).

وكلَّما كانت النية أشمل كان الأجر أعظم؛ لقول الرسول ﷺ: «إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى … » الحديث (٥).

قال عبد الله بن المبارك: «رُبَّ عمل صغير تعظمه النية، وربَّ


(١) أي: أُلازم قراءته ليلًا ونهارًا شيئًا بعد شيء، ولا أقرأ وِردي دفعة واحدة. مأخوذ من فواق الناقة، وهو أن تُحلب ثم تُترك ساعة حتى يجتمع لبنها ثم تُحلب، وهكذا.
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٤١) و (٤٣٤٤).
(٣) أخرج هذه الزيادة عبد الرزاق في «مصنفه» (٥٩٥٩).
(٤) «فتح الباري» لابن حجر (٨/ ٦٢).
(٥) أخرج البخاري (١/ ٧) في بدء الوحي، ومسلم رقم (١٩٠٧) في الأمارة، وأبو داود رقم (٢٢٠١) في الطلاق، والترمذي رقم (١٦٤٧) في فضائل الجهاد، والنسائي (١/ ٥٩) في الطهارة.

<<  <   >  >>