للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم هؤلاء قسمان:

فعوامُّهم ظنُّوا أن هذا غاية، فشَمَّروا إليه وعملوا عليه، ودعوا الناس إليه، وقالوا: هو أفضل من درجة العِلم والعبادة، فرأوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادة ورأسها.

وخواصُّهم رأوا هذا مقصودًا لغيره، وأن المقصود به عُكُوف القلب على الله، وجمع الهِمَّة عليه، وتفريغ القلب لِمَحَبَّته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والاشتغال بمرضاته، فرأوا أنَّ أفضل العبادات في الجمعيَّة على الله، ودَوَام ذِكره بالقلب واللسان، والاشتغال بمراقبته، دون كل ما فيه تفريق للقلب وتشتيت له.

ثم هؤلاء قسمان:

فالعارفون المُتَّبعون منهم إذا جاء الأمرُ والنهيُ بادروا إليه ولو فَرَّقهم وأذهب جَمعيتهم.

والمُنحرفون منهم يقولون: المقصود من العبادة جمعية القلب على الله، فإذا جاء ما يُفَرِّقه عن الله لم يُلتفت إليه، وربما يقول قائلهم:

يُطالَبُ بالأورادِ مَنْ كان غافلًا … فكيف بقلبٍ كلُّ أوقاته وِرد

ثم هؤلاء- أيضًا- قسمان:

منهم مَنْ يترك الواجبات والفرائض لجمعيته.

ومنهم مَنْ يقوم بها، ويَترك السُّننَ والنوافلَ وتَعَلُّمَ العلم النافع لجمعيته.

الصنف الثالث: رأوا أن أنفع العبادات وأفضلها: ما كان فيه نَفع مُتَعَدٍّ، فرأوه أفضل مِنْ ذي النفع القاصر، فرأوا خِدمة الفقراء، والاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم، ومساعدتهم بالمال والجاه والنَّفع أفضل؛ فتَصدوا له وعملوا عليه.

<<  <   >  >>