للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انظر مبحثها في كتاب قواعد اللغة العربية بشرحنا، هذا وذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى إلى أن لفظة: (اسم) صلة، أي: زائدة، واستشهد على ذلك بقول لبيد بن ربيعة الصّحابي-رضي الله عنه-انظره تبعا ملحقا للشاهد [٩٧٦] من كتابنا فتح القريب المجيب، ونصّه: [الطويل]

إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

واختلفوا في معنى زيادته، فقال قطرب: زيدت؛ لإجلال ذكره تعالى، وتعظيمه.

وقال الأخفش: زيدت؛ ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرك؛ لأن أصل الكلام: بالله.

{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:} اسمان من أسماء الله الحسنى، وقيل: صفتان مأخوذتان من الرحمة، وهما في حقه سبحانه وتعالى بمعنى: المحسن، أو: مريد الإحسان، لكن الأول بمعنى المحسن بجلائل النعم، والثاني بمعنى المحسن بدقائق النّعم، وإنما جمع بينهما في البسملة، إشارة إلى أنه ينبغي أن يطلب منه تعالى النعم الحقيرة، كما ينبغي أن يطلب منه النعم العظيمة، وقد يوصف ب‍ {الرَّحِيمِ} المخلوقون، وأما {الرَّحْمنِ} فلا يوصف به إلا الله تعالى، ومن وصف مسيلمة الكذاب، فقد تعنت حيث قال فيه: [البسيط]

أسموت بالمجد يا بن الأكرمين أبا... وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

هذا واشتقاق {الرَّحِيمِ} من الرحمة لا خلاف فيه، وفي اشتقاق {الرَّحْمنِ} خلاف، والجمهور من الناس ذهبوا إلى أنه مشتق من الرّحمة أيضا، مبني على المبالغة، ومعناه: ذو الرحمة، الذي لا نظير له فيها، فلذلك لا يثنى، ولا يجمع، كما يثنى {الرَّحِيمِ} ويجمع، قال ابن الحصار: ومما يدلّ على الاشتقاق ما خرّجه الترمذيّ، وصحّحه عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله عزّ وجلّ: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرّحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته»: أو قال: «بتتّه» وهذا نصّ في الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق، وإنكار العرب له لجهلهم بالله وما وجب له، وقد قال الله في سورة (الفرقان) رقم [٦٠]: {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ..}.

إلخ، وقال تعالى في سورة (الزخرف) رقم [٤٥]: {أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ،} ولما تجرأ مسيلمة الكذاب وتسمى ب‍ «رحمان اليمامة» كساه الله جلباب الكذاب، وشهر به، فلا يقال إلا: مسيلمة الكذاب، فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر، والمدر.

فائدة: قال سعيد بن جبير-رضي الله عنه-: كان المشركون يحضرون المسجد، فإذا قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قالوا: هذا محمّد يذكر «رحمان اليمامة» يعنون:

مسيلمة الكذاب، فأمر أن يخافت ب‍ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ونزل: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً} الآية رقم [١١٠] من سورة (الإسراء)، فبقي ذلك إلى يومنا

<<  <  ج: ص:  >  >>