للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إلى» كما في قوله تعالى في سورة (الصّافات) رقم [٢٣] {فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ} وقد يعدّى باللام، كما في قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٤٣] {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا}.

{الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} هو في لغة العرب: الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، قال جرير في مدح عبد الملك بن مروان: [الوافر]

أمير المؤمنين على صراط... إذا اعوجّ الموارد مستقيم

وقال عامر بن الطفيل: [الوافر]

شحنّا أرضهم بالخيل حتّى... تركناهم أذلّ من الصّراط

ثمّ إن العرب تستعير (الصّراط) في كلّ قول، وعمل وصف باستقامة، أو اعوجاج، واختلفت عبارات المفسرين من السّلف والخلف في تفسيره هنا، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد، وهو امتثال أمر الله فيما أمر، وفيما نهى، والأخذ بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعمله، فقيل: هو كتاب الله، وقيل: إنّه الإسلام، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هو دين الله الذي لا اعوجاج فيه. قال ابن الحنفية: هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره. وانظر ما ذكرته في قوله تعالى في الآية رقم [١٥٣] من سورة (الأنعام): {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ..}. إلخ و {الصِّراطَ} يقرأ بالصاد، والسين، والزاي، وهو يذكّر، ويؤنث، والأول أكثر.

{الْمُسْتَقِيمَ:} هو الذي لا اعوجاج فيه، والأصل فيه: «مستقوم» لأنّه من استقام، وهو أجوف واوي، فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى القاف بعد سلب سكونها، فصار: «مستقوم» ثم قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة.

{صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ:} اختلف الناس في المنعم عليهم، فقال الجمهور من المفسرين: إنّه صراط النبيين، والصديقين، والشهداء، والصّالحين، وقوله تعالى في سورة (النساء) رقم [٦٩]: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً} يعمّ، ويشمل جميع ما قيل، فلا معنى لتعدد الأقوال، والله المستعان، وهو وليّ التوفيق.

قال القرطبي رحمه الله تعالى: في هذه الآية ردّ على القدرية، والمعتزلة، والإمامية؛ لأنهم يعتقدون: أنّ إرادة الإنسان كافية في صدور أفعال منه، طاعة كانت، أو معصية؛ لأن الإنسان عندهم خالق لأفعاله، فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربّه، وقد أكذبهم الله في هذه الآية؛ إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم، فلو كان الأمر إليهم، والاختيار بيدهم دون ربهم؛ لما سألوه الهداية، ولا كرّروا السؤال في كلّ صلاة، وكذلك تضرعهم إليه في دفع المكروه، وهو ما

<<  <  ج: ص:  >  >>