للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل، فيكون التقدير: ووضع أو: وثبت على أبصارهم غشاوة، فتكون الجملة فعلية على هذا التقدير، هذا ويقرأ «غشوة» بالنصب على تقدير: وجعل على أبصارهم غشاوة، قال القرطبي:

فيكون من باب قوله، وهو الشاهد رقم [١٠٧٤] من كتابنا فتح القريب المجيب: [الكامل]

علفتها تبنا وماء باردا... حتّى بدت همّالة عيناها

وانظر ما ذكرته في تفسير قوله تعالى في سورة (الحشر) رقم [٩]: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَالْإِيمانَ..}. إلخ، وانظر سورة (الحج) رقم [٢٠]، وسورة (الفرقان) رقم [١٢]، والهاء في الكلّ ضمير متصل في محل جر بالإضافة. (لهم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم.

{عَذابٌ:} مبتدأ مؤخر. {عَظِيمٌ:} صفة عذاب، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة، فلا محل لها على الاعتبارين. هذا والحالية ممكنة من الضمير المجرور محلاّ بالإضافة، وساغ مجيء الحال من المضاف إليه؛ لأن المضاف جزؤه. هذا وإن اعتبرت {عَذابٌ} فاعلا بالجار والمجرور على قول الأخفش، فتكون الجملة فعلية، ومعطوفة على ما قبلها.

تنبيه استدل بالآية الكريمة من فضّل السّمع على البصر لتقدمه عليه باللفظ، ومثلها كثير.

وقال لتبرير قوله: والسّمع يدرك به الجهات السّت، وفي النور، والظلمة، ولا يدرك بالبصر إلا من الجهة المقابلة، وبواسطة من ضياء، وشعاع. وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر على السّمع؛ لأن السمع لا يدرك إلا الأصوات، والكلام.

والبصر يدرك به الأجسام، والألوان، والهيئات كلّها، قالوا: فلما كانت تعلقاته أكثر؛ كان أفضل، وأجازوا الإدراك بالبصر من الجهات السّت. انتهى قرطبي بتصرف.

{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)}

الشرح: لمّا تقدم وصف المؤمنين في صدر السّورة بأربع آيات، ثم عرف حال الكافرين بآيتين شرع الله تعالى في بيان حال المنافقين؛ الّذين يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر. ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس؛ أطنب بذكرهم في ثلاث عشرة آية؛ لينبّه إلى عظيم خطرهم، وكبير ضررهم، ووصفهم بصفات متعدّدة، كلّ منها نفاق، كما أنزل سورة (براءة) وسورة (المنافقين) فيهم، وذكرهم في سورة (النّور) وغيرها من السور تعريفا بأحوالهم لتجتنب، ويجتنب من تلبّس بها أيضا.

والنّفاق: هو إظهار الخير، وإسرار الشرّ، إظهار الإيمان، وإخفاء الكفر، وهو نوع اعتقاديّ، وهو الذي يخلد صاحبه في النّار، وعمليّ بأن يتصف إنسان بصفاتهم، ويعمل بأعمالهم من الكذب، والخيانة، والفجور، وخلف الوعد، وغير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>