للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمكر، والخداع، لذا يصح القول: إنّ من البشر شياطين بثياب البشر، قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١١٢]: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ..}. إلخ. {قالُوا إِنّا مَعَكُمْ:} أي: في الدّين، والاعتقاد، خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية، والشياطين بالجملة الاسمية المؤكّدة ب‍ (إنّ) لأنهم قصدوا بالأول دعوى إحداث الإيمان، وبالثانية تحقيق ثباتهم على ما كانوا عليه من الفساد، والضلال. {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ:} أي بهؤلاء الذين تبعوا محمدا، وصدقوه، ويصدّقونه بكلّ ما يقوله لهم، ويأمرهم به.

تنبيه: قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ، وأصحابه، وذلك لأنّهم خرجوا ذات يوم، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: انظروا كيف أردّ هؤلاء السّفهاء عنكم! فأخذ بيد أبي بكر-رضي الله عنه- فقال: مرحبا بالصديق، سيد بني تميم، وشيخ الإسلام، وثاني رسول الله في الغار، الباذل نفسه، وماله لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم! ثم أخذ بيد عمر-رضي الله عنه-فقال: مرحبا بسيد بني عدي ابن كعب، الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم! ثم أخذ بيد عليّ-رضي الله عنه-فقال: مرحبا بابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وختنه، وسيد بني هاشم، ما خلا رسول الله! فقال له عليّ-كرّم الله وجهه-: اتق الله يا عبد الله، ولا تنافق، فإن المنافقين شرّ خليقة الله تعالى! فقال: مهلا يا أبا الحسن! إني لا أقول هذا نفاقا، والله إن إيماننا كإيمانكم، وتصديقنا كتصديقكم! ثم تفرقوا، فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت، فأثنوا عليه خيرا. انتهى.

خازن.

أقول وبالله التوفيق: في زمننا هذا كثير من الناس يهزءون بالإسلام، وبتعاليمه، وبالمسلمين الصّادقين، ولا يقيمون لله فرضا، ولرسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنّة، ثم يدّعون الإسلام، والإيمان، ويقولون لمن ينتقدهم: أنتم لستم أحسن منّا، نحن مسلمون مثلكم، وإسلامنا مثل إسلامكم.

الإعراب: ({إِذا}): انظر الآية رقم [١١]، هذا و ({إِذا}): ظرف لما يستقبل من الزمان، وفيه معنى الشرط، واختلف في ناصبها، بالجواب، واعترض بأنّ الجواب قد يقترن بالفاء، وما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، وقيل: بالشرط، واعترض أيضا بأنها مضافة للشرط، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، وأجيب عن هذا الاعتراض بأن القائلين: إنّ الناصب هو الشّرط، لا يقولون بإضافة «إِذا» إليه، فلذا كان الثاني أرجح من الأول، وإن كان الأول أشهر، فقول المعربين:

خافض لشرطه، منصوب بجوابه، جرى على غير الرّاجح، ولذا كانت عبارة سيبويه محتملة لما تريد من احتمالات.

{لَقُوا:} فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف للتفريق، هذا هو الإعراب المتعارف عليه في مثل هذه الكلمة، والإعراب

<<  <  ج: ص:  >  >>