للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رفع مثلها. {فِي طُغْيانِهِمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بما بعدهما، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله.

{يَعْمَهُونَ:} فعل مضارع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمير المنصوب، أو من الضمير المجرور محلاّ بالإضافة، والرابط واو الجماعة فقط.

{أُولئِكَ الَّذِينَ اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)}

الشرح: {أُولئِكَ:} أي: الموصوفون بالصفات السابقة من قوله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ} إلى هنا. {الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى:} الشّراء هنا مستعار، والمعنى: استحبّوا الكفر على الإيمان، كما قال الله تعالى في سورة (فصلت) رقم [١٧]: {وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى} فعبّر عنه بالشراء؛ لأن الشراء إنّما يكون فيما يحبه مشتريه، فأما أن يكون بمعنى شراء المعاوضة فلا؛ لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين، فيبيعون إيمانهم. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أخذوا الضلالة، وتركوا الهدى، ومعناه: استبدلوا، واختاروا الكفر على الإيمان، وإنما أخرجه بلفظ الشراء توسعا؛ لأنّ الشراء والتجارة راجعان إلى الاستبدال، والعرب تستعمل ذلك في كلّ من استبدل شيئا بشيء، قال أبو ذؤيب الهذلي، وهو الشاهد رقم [٧٧١] من كتابنا فتح القريب المجيب: [الطويل]

فإن تزعميني كنت أجهل فيكمو... فإنّي شريت الحلم بعدك بالجهل

هذا والباء بمعنى: «بدل» وقد دخلت على المتروك.

{فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ:} أسند الله تعالى الربح إلى التجارة على عادة العرب في قولهم:

ربح بيعك، وخسرت صفقتك، وقولهم: ليل قائم، ونهار صائم، والمعنى: ربحت، وخسرت في بيعك، وقمت في ليلك، وصمت في نهارك، أي: فما ربحوا في تجارتهم، قال الشاعر: [الطويل]

نهارك هائم وليلك نائم... كذلك في الدّنيا تعيش البهائم

و (الهدى) المراد به الإيمان، وإنّما أخرج الاستبدال بلفظ الشّراء والتجارة توسعا على سبيل الاستعارة؛ لأن الشراء فيه إعطاء بدل وأخذ آخر، فقد جعلوا لتمكنهم من الإيمان، كأنّه في أيديهم، فإذا تركوه إلى الضلالة؛ فقد عطّلوه، واستبدلوه بها. انتهى. خازن بتصرف، وقال النسفي: وإنّما قال: {اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى} ولم يكونوا على هدى؛ لأنّها في قوم آمنوا، ثمّ كفروا، أو في اليهود الذين كانوا مؤمنين بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم قبل مبعثه: {فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا}

<<  <  ج: ص:  >  >>