للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيّام يدعونني الشّيطان من غزل... وهنّ يهوينني إذ كنت شيطانا

وقيل: من: شاط: إذا احترق، وشاط: بطل، فالنون زائدة، وعليه: فهو غير مصروف.

وشطن من باب قعد. وشاط من باب ضرب. هذا واشتاط الرّجل: إذا احتدّ غضبا، واشتاط:

إذا هلك. قال الأعشى في معلقته رقم [٦٨]: [البسيط]

قد نخضب العير في مكنون فائله... وقد يشيط على أرماحنا البطل

ويقوّي الاعتبار الأول، ويضعف الثاني: أن سيبويه حكى: أن العرب تقول: تشيطن فلان:

إذا فعل أفعال الشياطين، فهذا بيّن أنه تفيعل من شطن، ولو كان من شاط لقالوا: تشيّط.

(الرجيم): فعيل بمعنى مفعول؛ أي أنّه مرجوم باللعن والطّرد عن الخير، وعن رحمة الله تعالى، وقيل: هو فعيل بمعنى فاعل. أي: يرجم غيره بالإغواء، والوسوسة. وأصل الرجم:

الرّمي بالحجارة، والرّجم: القتل، واللعن، والطرد، والشّتم. وقد قيل: هذا كله في قوله تعالى حكاية عن قول قوم نوح له: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} رقم [١١٦] من سورة (الشعراء) وأيضا قوله تعالى حكاية عن قول قوم شعيب له: {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ} رقم [٩١] من سورة (هود)، وقول أبي إبراهيم له: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} رقم [٤٦] من سورة (مريم)، والرجم: القول بالظنّ، كما في قوله تعالى: {خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ} رقم [٢٢] من سورة (الكهف) قال زهير بن أبي سلمى في معلّقته رقم [٣٠]: [الطويل]

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم... وما هو عنها بالحديث المرجّم

بعد هذا لا يخفى عليك المعنى لهذه الجملة، وقد يعبر عن الجملة بكاملها بكلمة:

(الاستعاذة) على طريقة النّحت، والنّحت في الكلام: تركيب كلمة من كلمتين، فأكثر، نحو:

البسملة، والحوقلة من: (لا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم) والاسترجاع من: {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} والفذلكة من: (فذلك كذا، وكذا) وهلمّ جرّا، وخذ قول الشاعر عبد يغوث بن الحارث بن وقاص الحارثي شاعر جاهلي، وهو الشاهد رقم [٥٠٣] من كتابنا فتح القريب المجيب: [الطويل]

وتضحك منّي شيخة عبشميّة... كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا

حيث نحت (عبشمية) من عبد شمس، وتفصيل ذلك تجده في الشاهد رقم [٣٠٥] من كتابنا المذكور، وهو لسويد بن أبي كاهل اليشكري: [الطويل]

هم صلبوا العبديّ في جذع نخلة... فلا عطست شيبان إلا بأجدعا

قال الخازن رحمه الله تعالى: ومن لطائف الاستعاذة: أن قوله: (أعوذ بالله...) إلخ إقرار من العبد بالعجز، والضعف، واعتراف من العبد بقدرة الله عزّ وجلّ، وأنّه الغنيّ القادر على دفع

<<  <  ج: ص:  >  >>