للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثبوت الرؤية في القرآن]

إن مسألة الرؤية -رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة- من المسائل العظام، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على وقوعها في الآخرة، وأما في الدنيا فإن النصوص جاءت بنفيها وأنها لا تقع في الدنيا.

قوله: (وقول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢-٢٣] ) (يومئذ) : يعني: يوم القيامة، (ناضرة) يعني: بهية وجميلة، من النضرة والبهاء والحسن من النعيم الذي نالته ومنّ الله جل وعلا عليها به، وقوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] ، ناظرة بأبصارها، تنظر إلى ربها، وهؤلاء هم المؤمنون الذين يمن الله جل وعلا عليهم بدخول الجنة، فإنهم ينظرون إلى الله جل وعلا، وهذا لا يحتمل إلا هذا، أما تكلف المعتزلة وغيرهم بأن معنى ناظرة: منتظرة إلى ثواب الله؛ فهذا باطل فهم يقولون ناضرة إلى الآلاء وهي النعم، وناظرة: يعني منتظرة، وهذا تكلف محض لا يدل عليه وضع الكلام، ولا عقل ولا شرع، بل إن العقل والشرع يدلان على بطلانه، فهو تحريف لكلام الله جل وعلا.

قوله: (وقوله جل وعلا: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين:٢٣] ) الأرائك: جمع أريكة، والأريكة هي المجالس التي يتكئون عليها في الجنة، {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين:٢٣] ، ينظرون إلى الله جل وعلا، فهذه الآية مثل الآية التي قبلها تدل على أن النظر إلى الله يكون في الجنة للمؤمنين.

قوله: (وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس:٢٦] ) ، الإحسان هو: الإتيان بالعمل على أكمل وجه وأتمه، فهو أن يأتي الإنسان بالعبادة كأنه يرى الله كأنه يشاهده، ومعلوم أنه إذا كان بهذه المثابة فلابد أن يحسنها غاية الإحسان، فقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس:٢٦] ، الحسنى: هي الجنة {وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] ، الزيادة: هي النظر إلى وجه الله جل وعلا، وهذه الآية صريحة؛ لأنه جعل الجنة ثواباً لإحسان العمل فلما عطف على الجنة الزيادة دل على أن الزيادة غير الجنة.

أمر آخر يدل على أن المراد بالزيادة: النظر إلى وجه الله جل وعلا، ما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر هذه الآية: (بأن الحسنى الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله جل وعلا) ، فهذا تفسير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز مخالفته.

قوله: (قوله جل وعلا: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥] ) يعني: لهم ما يشاءون في الجنة من المآكل والمشارب وغيرها من سائر ما تشتهيه النفوس، وقوله: (وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) ليس المزيد من جنس المآكل والمشارب، بل هو أمر آخر فوق ذلك، وهو النظر إلى الله جل وعلا؛ لأن النظر إلى الله هو أعلى نعيم أهل الجنة؛ ولذلك يقول الله في شأن الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] ، فهذا من العذاب، ولما حجب الأشقياء والكفرة دل بالمقابل على أن أهل الإيمان لا يحجبون عن الله جل وعلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>