للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وسطية الفرقة الناجية بين المرجئة والوعيدية]

قوله: (وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم) .

المرجئة عندهم: لا يضر مع الإيمان معصية، والناس عندهم في الإيمان سواء لا تفاوت بينهم، فالصديق والذي يشرب الخمر ويترك الصلاة كلهم سواء مادام أنه عارف بالله، فالإيمان عندهم شيءٌ واحد، فلا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، إذا وجد الكفر والطاعات، فطاعات الكافر لا تفيده، وكذلك المؤمن عندهم إذا كان مؤمناً لا تضره المعصية، فلهذا صاروا دعاة إلى التحلل وترك أمر الله جل وعلا؛ لأنه عندهم يكفي أن يكون الإنسان مؤمناً، ولا يلزم أن يفعل الواجبات أو يمتنع من المحرمات، وهذا دينٌ خاص بهم.

أما الوعيدية فهم الذين يقولون بوجوب تنفيذ الوعيد، وهم المعتزلة الذين هم القدرية، وقوله: (وغيرهم) ، يقصد بذلك الخوارج؛ لأن الخوارج وافقوهم في الحكم، وإن كانوا خالفوهم في الاسم، فعند المعتزلة يجب على الله أن يعاقب العاصي؛ لأنه لا يخلف الوعد، والوعيد والوعد سواء، وقد أخبر الله جل وعلا أنه لا يخلف الميعاد، وقد توعد بعض الناس على فعل المعاصي، فيجب أن ينفذ ذلك، ويجب أن يؤمن بهذا، فسموا وعيدية من أجل ذلك.

وأما إخوانهم الخوارج الذين وافقوهم في الحكم فلأنهم يقولون: مرتكب الكبيرة إذا مات فهو في النار، ولكنه لا يسمى كافراً في الدنيا، ولا يحل دمه ولا ماله، إذا ارتكب الكبائر خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، فصار في منزلة بين المنزلتين -منزلة الإيمان والكفر- وهذا شيءٌ اختصوا به، وابتدعوه وجعلوه ركناً من أركان الدين، فالمنزلة بين المنزلتين أحد أركان دينهم الخمسة، يعني: عندهم أركان الإسلام خمسة، كما هي خمسةٌ عند أهل السنة، ولكنها ليست سواء.

فمن أركان الإسلام عند المعتزلة: المنزلة بين المنزلتين، والثاني: تنفيذ الوعيد، أي: فيمن خالف، والخوارج وافقوهم في كون مرتكب الكبيرة يكون خالداً في النار، ولكنهم خالفوهم في الاسم، فسموه كافراً خارجاً من الدين، حلال الدم والمال، واتفقوا معهم في الآخرة، فاختلفوا في الأسماء، وهم من أهل الوعيد الذين يقولون بالوعيد.

فأهل السنة وسطٌ بين هؤلاء الضلال المرجئة الذين أخروا الأعمال عن الإيمان؛ لأن الإرجاء من التأخير، فصار الإيمان عندهم يكفي، أما الأعمال فهي لا تكون لازمة، ويكفي الإنسان أن يكون مؤمناً بقلبه، وهؤلاء الذين قابلوهم، قالوا: إن الإنسان إذا ترك شيئاً من الأعمال فإنه يكون إما كافراً وإما خارجاً عن الدين الإسلامي وغير داخل في الكفر، ثم في الآخرة يكون خالداً في النار، واستدلوا على هذا بأدلة كقوله: {لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى} [الليل:١٥] ، فقالوا: هذا يرد عليكم، أنتم تقولون الذين يدخلون النار يخرجون بالشفاعة، والله يقول: {لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى} [الليل:١٥] ، فمن دخلها فهو أشقى، فلا تلحقه شفاعة، ولهم أدلة غير هذا سيأتي ذكرها، ولكنها شبه باطلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>