للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وسطية الفرقة الناجية بين الرافضة والخوارج]

قوله: (وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج) : الرافضة يقولون بتكفير الصحابة، أو بأنهم ضلوا وخرجوا عن الصراط السوي، ولم يبق على الهدى إلا أربعة، أو أكثر قليلاً مثل: عمار، وأبي ذر، المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، أما البقية فقد كفروا بما فيهم الخلفاء الثلاثة، وبما فيهم الذين شهد لهم بالجنة، وغير ذلك.

وأما الخوارج فهم يكفرون علي بن أبي طالب، أي: هم عكس الرافضة الذين يجعلون علي بن أبي طالب رضي الله عنه معصوماً لا يتطرق إليه خطأ، هو والأئمة الاثنا عشر.

فالخوارج يجعلونه كافراً؛ لأنه رضي بتحكيم الرجال وبالقتال الذي حصل؛ لأن القتال من كبائر الذنوب، والكبيرة إن لم تكن كفراً فهي ذات صلةٍ بالكفر، فهم في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بين طرفين.

أما أبو بكر وعمر ومن كان على منهجهما ولم يدخل في الحروب فإن الخوارج لا يكفرونهم ولا يضللونهم، وإنما الكلام فيمن دخل في القتال والتحكيم عندهم.

والمقصود أنهم صاروا متناقضين، فهؤلاء يزعمون أن علي بن أبي طالب معصوم، وأنه لا يتطرق إليه خطأ، وهؤلاء يزعمون أنه كافر، وأهل السنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فهم يرون أن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الأمة على الإطلاق، وأنه لا أحد يلحقهم في فضلهم، وأفضلهم الخلفاء، أولاً: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم العشرة الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر من الوقوع فيهم، وقال: (من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم) ، وأخبر أن خير القرون القرن الذي بعث فيهم صلوات الله وسلامه عليه، فأهل السنة يرون حقهم، ويترضون عنهم.

أما ما وقع بينهم أخيراً من نزاعٍ وقتال فإنهم لا يخرجون عن أمرين: إما أن يكونوا مجتهدين طالبين للحق والصواب، فأخطئوا، فلهم أجرٌ وخطؤهم معفوٌ عنه، أو يكونوا مصيبين فلهم أجران، لا يخرجون عن ذلك، فضلاً عن أن يضللوا أو يكفروا كما تقوله الخوارج الضلال، فأهل السنة وسطٌ بين هؤلاء وهؤلاء، لا جفاة يجفون، ولا غلاة يغلون، فالرافضة جفوا من جهة، وغلوا من جهة أخرى، وهؤلاء جفوا -يعني: الخوارج- لأنهم كفروا الفريقين الذين وقع منهم شيءٌ من النزاع والقتال، ومعلومٌ أن الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم طعن في الدين، وذلك أن الذي نقل لنا ديننا، والواسطة الذي نقل ديننا هم الصحابة رضوان الله عليهم، فهم الذين نقلوا القرآن عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك سنته، فالطعن فيهم طعن في ديننا.

ولهذا يقول أبو زرعة رحمه الله: الذين يطعنون في الصحابة يطعنون في الدين الإسلامي وفي الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم لما رأوا أن الذين نقلوا الدين الإسلامي هم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجهوا الطعن إليهم لأنهم لا يستطيعون أن يوجهوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إذا كان الذي ينقل الدين الإسلامي كافراً فكيف يوثق به، وهو غير مأمون، ونقله غير صحيح.

والصحابة قد رضي الله عنهم، قال الله جل وعلا: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:١٠٠] ، هذا خبر الله، فكيف يأتي متقول ويقول: إنهم كفروا، أو إنهم ضلوا؟ والله جل وعلا إذا أخبر عن أشخاص أو شخص أنه رضي عنه لم يجز أن يرتد؛ لأن الله علام الغيوب، يعلم ما سيكون.

كذلك يقول جل وعلا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:٢٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>