للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام المعية]

لهذا صارت المعية قسمها الأول الذي ذكرنا: يقتضي الخلق والمراقبة {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤] ، يعني: لا تتركوا أمره ولا ترتكبوا نهيه؛ فإنه يراقبكم ويبصركم، ويعلم ما في قلوبكم، ويرى تصرفاتكم، وأنتم لا تعجزونه، إذا شاء أن يأخذكم أخذكم، وذلك على الله يسير، فالمعية العامة من معانيها الخوف والمراقبة.

أما القسم الثاني من أقسام المعية فهو المعية الخاصة التي تكون لأنبيائه وأوليائه وعباده المؤمنين، فهو معهم دون الكافرين، ودون الفاجرين، ودون الفاسقين، كما قال جل وعلا لكليمه موسى وأخيه: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦] ، وذلك لما قالا: {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:٤٥] ، يعني: أن فرعون من فرطه وحمقه وجبروته وقهره يمكن أن يصدر منه أو يبدر منه بوادر يكون فيها أذية أو قتل لنا؛ لأن عنده من السلطة والقوة والبطش بمن تحت يده ما هو معلوم، فقال الله جل وعلا لهما: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦] ، فهو جل وعلا مع موسى وأخيه هارون دون فرعون وقوم فرعون في هذه المعية؛ لأنها معية خاصة بموسى وهارون فقط، ولهذا صار معنى هذه المعية غير معنى المعية الأولى، فهذه من معانيها النصر والتأييد والحفظ والكلاءة، وهذا خلاف المعنى الأول، ولو كانت المعية تقتضي الممازجة والمداخلة لم يمكن أن تكون بهذه المعاني، هذا أمر متفق عليه بين أهل الحق الذين عرفوا اللغة العربية وفهموا خطاب الله جل وعلا، وكذلك قدروا ربهم حسبما علمهم الله جل وعلا ووصف نفسه لهم.

ثم قال: (وخلاف) أي: أن الاختلاط والامتزاج خلاف ما فطر الله جل وعلا عليه الخلق، فالمقصود بذلك الفطرة التي لم تتغير لا بالتجهم ولا بالاعتزال؛ لأنه إذا تغيرت الفطرة بالبدع وأنشئ الإنسان عليها؛ فإن فطرته تفسد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسان) ، يعني: أن أبويه يجعلانه يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً، أو جهمياً أو معتزلياً، والمقصود بالأبوة: أي: المربي الذي يربيه ويعلمه ويلقنه هذه الأشياء.

ولهذا إذا ربي الناس على الفساد تربوا عليه، وألفوه وأصبحوا لا يريدون سواه، وأصبح الحق مبغضاً محارباً مكروهاً غير موافق لهم، وإذا ربوا على الحق والفضيلة والنزاهة صار ذلك مألوفاً محبوباً مراداً، والفساد والرذائل مكروهة مبغضة منبوذة، والإنسان على ما يربى عليه، وسواء كانت تربيةً خاصة أو تربيةً عامة.

فالتربية الخاصة: هي التي تكون من الوالدين والتي تكون من المعلم.

أما التربية العامة: فهي التي يتعلمها الإنسان من المجتمع، أو من الإعلام العام من صحافة أو إذاعة أو غيرها، فهذه التربية حسب التوجيه الذي يوجه به الناس الذين يتلقون ذلك ويتربون عليه، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وهذا أمر لا ينكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>