للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شبهة مؤولة الكلام في آية الحاقة]

وهنا نقول: ما الذي جر هؤلاء إلى هذا النقص الذي وصفوا به رب العالمين تعالى الله وتقدس؟

و

الجواب

أن السبب في ذلك أنهم تعلقوا بآيات من كتاب الله، وقد بينا أن تعلقهم بها لا وجه له، وهي قوله جل وعلا: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:٤٠] ، في سورتين من القرآن: سورة الحاقة وسورة التكوير، يقول جل وعلا في سورة الحاقة: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:٤٠-٤٧] ، فهذا كله في الرسول صلى الله عليه وسلم، وواضح جداً أن المقصود بهذا: الرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلم، وواضح أيضاً أن قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:٤٠] معناه: أنه مبلغ له، فهو قوله تبليغاً، حيث بلغه عن مرسله، وإلا لو كان قاله عن نفسه لما صح أن يقال: إنه قول رسول، ولقيل: إنه قول بشر.

ومعلوم أن الله توعد الذي قال {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:٢٥] ، بأن يصليه سقر، فما الفرق بين من قال هذا الذي ذكره الله جل وعلا في سورة المدثر، وبين قول هؤلاء القوم الذين يقولون: إنه قول الرسول؟! لا فرق.

وأيضاً: فإنه قال: {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة:٨٠] ، فكيف يقال: إنه قول رسول، والله جل وعلا يقول: {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة:٨٠] ؟! ثم يقول: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ} [الحاقة:٤٤] ، والتقول هو أن ينسب القول إلى غير قائله، {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة:٤٥] ، ومعنى هذا الكلام: لأخذنا منه أخذاً قوياً شديداً؛ لأن اللغة العربية فيها أن الأخذ باليمين أقوى من الأخذ بالشمال، وهذا حسب المتعارف بين البشر، وإلا فالله جل وعلا أخذه أخذ لا يشبه أخذ المخلوق، ولكنه يخاطب الناس باللغة التي يفهمونها ويعرفونها؛ فدل هذا على أن الأخذ يكون بقوة وشدة، قال: {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:٤٦] ، وهذا معناه الهلاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>