للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجود مخلوقات تتكلم بدون أدوات يبطل كلام المؤولين]

أما من ناحية التفصيل فنقول لهؤلاء: لقد علم أن من المخلوق الضعيف ما ينطق ويتكلم بلا لسان ولا شفتين ولا لهاة ولا أدوات، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي، يقول: السلام عليك يا رسول الله!) فهل للحجر لسان أو لهاة؟! وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على جذع نخلة يابس في هذا المسجد -مسجده صلوات الله وسلامه عليه- ثم صنع له منبر من الخشب فترك الجذع، فأول ما قام على المنبر يخطب صار الجذع يحن مثل حنين الناقة التي فقدت ولدها، حتى نزل من على المنبر والتزمه، يهدئه مثلما يُهدأ الصبي الذي يبكي عند ذهاب أمه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (لو تركته لبقي يحن إلى يوم القيامة) .

وصح أنهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام في يده صلى الله عليه وسلم بلسان فصيح، وهو طعام يؤكل، فهل كان له لسان؟! ويقول جل وعلا: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:٤٤] وهذا يشمل كل شيء، والصواب في هذا من أقوال المفسرين: أنه تسبيح بلسان المقال، وليس بلسان الحال كما يقوله بعضهم، فكل شيء يسبح لله جل وعلا تسبيحاً حقيقياً، لكن نحن لا نفقه لغة كثير من المخلوقات التي تسبح، ولا نسمعها أحياناً؛ كالطيور وغيرها.

وقد أخبرنا جل وعلا في آيات عدة أنه ينطق الجوارح، وأنها تتكلم يوم القيامة، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة حشر الناس على ما ماتوا عليه: من جهل، ومن علم ومن كفر، ومن إيمان، ومن يقين، ومن شك، فكل من مات بعث على الحالة التي مات عليها، حتى الصفة الجسدية، فإذا كان يحلق لحيته بعث حليقاً، وإذا كان يعفيها بعث كذلك، وفي الحديث: (من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه) .

فإذا كان يوم القيامة فإن بعض أهل الضلال والجهل ينكرون ما في الصحف التي تقص أعمالهم، فبعضهم يقول: ظلمتني الملائكة فكتبوا علي ما لم أقل، وما لم أفعل، ولا أرضى إلا شاهداً من نفسي، فيختم على فيه، ويقال لجوارحه: تكلمي، فكل جارحة تتكلم بكلام فصيح، فاليد تقول: تناولت كذا وكذا، والرجل تقول: مشيت إلى كذا، وهكذا يقول جل وعلا: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت:٢٠] ، فالسمع والبصر والجلد والرجل واليد وغيرها؛ كلها تشهد بالشيء الذي كان يعمله الإنسان، ثم يعودون باللوم على جلودهم وأسماعهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت:٢١-٢٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>