للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحدي الله للعرب لا يكون على ما في نفسه ولم يتكلم به]

ثم يقال لهؤلاء الضلال الذين أثبتوا أن كلام الله هو الكلام النفسي: من المعلوم أن الله تحدى العرب وغير العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو بسورة، وقد وقفوا عاجزين عن أن يأتوا بشيء، فهل يمكن أن يتحداهم الله بشيء في نفسه؟! هذا محال.

أما على قولهم فهذا لا حقيقة له؛ لأن هذا الكلام الذي يقرأ ويسمع قول البشر -أي: الرسول- الذي عبر عما في نفس الله تعالى الله وتقدس، فيكون معنى هذا أن هذا التحدي لا حقيقة له ولا معنى؛ لأن البشر جاءوا بمثله، فيكون هذا تكذيباً لله جل وعلا، وهذا من الكفر الصريح الواضح.

والأشياء التي تبطل هذا القول كثيرة جداً، ولكن يكفي هذا المقدار؛ لأن الذي يريد الحق وقد عرض عليه الحق الذي لا شبهة فيه، كفاه ذلك، أما الذي يريد الله جل وعلا فتنته فكثرة الأدلة لا تفيده شيئاً.

ومن هذا نعلم علماً يقينياً أن القرآن هو كلام الله حقيقة، كما قال شيخ الإسلام هنا: (حروفه ومعانيه) ، وليس كلام الله المعاني التي يقولها بعض أهل البدع، ولا الحروف التي قالها بعض أهل البدع، ومعلوم أنه إذا قيل كلام، فإنه يدخل فيه الحروف والمعاني، ولا يكون الكلام اسماً للحروف دون المعاني، ولا للمعاني دون الحروف.

وكذلك من المعلوم عند جميع العقلاء أن الكلام يضاف لمن قاله مبتدئاً، وليس للذي ينقله ويبلغه، فالناقل للكلام ليس هو المتكلم، وإنما هو ناقل لكلام غيره إلى من أمر بالإيصال إليه، وهذا ظاهر في قول الله جل وعلا: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] ؛ لأنه يسمع كلام الله من المبلغ الذي يبلغ، سواء كان الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره من أفراد أمته.

وقد قيل: إنه يلزم من قولنا لوازم باطلة مثل ما سبق، وهناك شبه كثيرة في هذا فلا حاجة إلى ذكرها؛ لأنها مجرد شبه وضلال، والمسلم يجب عليه أن يؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على ظاهره؛ لأنه كان مأموراً بالبلاغ، فما كان فيه شبهة أو شك أو لبس فلا يمكن أن يتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا بيان؛ لأن الله جل وعلا يقول له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:٦٧] ، ولهذا كانت هذه الآية دليلاً واضحاً على أن كل شيء لم يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو باطل، لا يجوز إثباته، سواء كان من العبادات أو من العقائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>