للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مواقف الناس يوم القيامة في العرصات]

كما أن موقف الناس يوم القيامة يختلف فهناك مواقف مختلفة، وفيها موقف لا أحد يستطيع أن يتكلم أو ينطق فيه، ولا يُسمع إلا مشي الأقدام، كما قال جل وعلا: {فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه:١٠٨] ، يقولون في تفسيرها: أي صوت الأقدام إذا صاروا يمشون، أما الكلام فليس هناك من يتكلم، وهناك موقف يتكلمون فيه، كما يقول جل وعلا: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} [المرسلات:٣٨-٣٩] ، أخبر أنهم ينطقون أيضاً في هذا اليوم، ولكن هذا ليس دائماً، بل في بعض الأماكن والمواقف، فيقبل بعضهم على بعض يتساءل، ويقول بعضهم: كم لبثتم؟ فيقولون: لبثنا يوماً أو بعض يوم.

وفي مواقف أخرى لا أحد يتكلم ولا ينطق ولا يتساءل، كما قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعارج:٤-١٠] .

أي: لا أحد يسأل قريبه أو صديقه.

وهذا ليس عاماً في كل المواقف؛ فإن بعض الأماكن يختلف اختلافاً عظيماً، ولهذا جاء أن بعض الناس ينكر كتابة الملائكة ويقول: لا أقبل هذا.

ويقول: يا رب! أنت الحكم العدل الذي لا تظلم شيئاً، وأنا لا أقبل على نفسي إلا شاهداً من نفسي فيقول الله جل وعلا: سنبعث شاهداً عليك.

فيفكر في نفسه عن الشاهد، فيختم على فمه فلا يستطيع أن يتكلم، فيقول الله جل وعلا لأعضائه: انطقي تكلمي فتتكلم الجلود والأسماع والأبصار والأيدي والأرجل بكل ما حصل، ثم بعد ذلك يخلى بينه وبين الكلام، فيعود على أعضائه باللوم فيقول: لماذا؟ فعنكن كنت أنافح.

فيقلن: أنطقنا الله.

قال الله جل وعلا: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فأصبحتم من الخاسرين} [فصلت:٢٠-٢٣] ، فهذا الكلام يذكره الله جل وعلا عن الجلود والأسماع والأبصار، كذلك الأيدي والأرجل تتكلم وتشهد بما وقع.

إذاً فيوم القيامة يوم عظيم جداً، وفيه من الأحوال والأهوال والأشياء ما تشيب له الولدان.

<<  <  ج: ص:  >  >>