للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء)]

وقوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك:١٦] المقصود أأمنتم عذاب من في السماء، والعذاب نوعه مختلف، إما أن يكون خسفاً كما فعل بـ قارون وغيره، أو يكون رجماً كما في الآية الآتية أو يكون بغير ذلك، فإذا كان كذلك فكيف تخالفونه وتكفرون به؟ و (في) هنا بمعنى على، أو أن السماء يقصد بها مجرد العلو، وليست السماء المبنية، وكله معنى صحيح، إما أن تكون (في) بمعنى على، وهذا قد جاء في اللغة كثيراً كقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ} [الأنعام:١١] ليس المعنى يدخلون في جوف الأرض، بل يسيرون عليها، وكقوله تعالى في قصة موسى: {وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:٧١] ، ومعلوم أنه لن يدخلهم في الجذوع، وإنما يصلبهم على الجذوع، وكثيراً ما تأتي (في) بمعنى على، وهي في هذه الآية بمعنى على، وإن كانت على بابها، فيكون المراد بالسماء العلو، فيكون المعنى: أأمنتم من في العلو، وهو الله جل وعلا، وكلا الأمرين صحيح، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما كان رجل يمشي بحلتين متبختراً -يعني: متكبراً- إذ خسف الله جل وعلا به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) يعني: يتحرك ويهبط غير مستقر، فتبقى الأرض تمور به، يعني: تضطرب وتبتلعه، وكل شيء مطيع لله جل وعلا، إذا أمره امتثل لأمره.

ثم قال جل وعلا: {أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٧] (أم) معناها: بل، يعني: أمنكم وجد، ما خفتم الله جل وعلا، ولا خشيتم عقابه، فحري أن يصيبكم الله جل وعلا بهذا العقاب، والخطاب لنا وليس لغيرنا، فالخطاب للسابقين قد انتهى، وإنما المقصود نحن، فيجب على الإنسان أن يتنبه، وأن يخاف ربه، وأن يفارق الأفعال التي تكون سبباً لغضب الله جل وعلا وعذابه.

((أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)) الأمن هو ضد الخوف والمراقبة، والمعنى: خافوا عذاب الله وراقبوه، فإن من خافه وراقبه فإنه يؤمنه، بخلاف من أمن مكره وعذابه فإن هذا من أعظم أسباب الأخذ والتعذيب.

{أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} [الملك:١٧] الحاصب هو: الحجارة التي تحصب، كما أرسل حاصباً على قوم لوط وغيرهم، وقد جاء في صحيح البخاري أنه سيقع في هذه الأمة رجم ومسخ وخسف، الأنواع الثلاثة ستقع فيها، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن زمن ذلك قال: (إذا استحل الحر والحرير والخمر والمعازف) ، إذا استحلت هذه الأمور وقع ذلك، والحر: هو عبارة عن إحلال الزنا وكثرته، وأما الحرير فهو معروف، أي: أن الرجال يلبسون الحرير ويستحلونه، وأما المعازف: فهي آلات اللهو والطرب والغناء، فإذا كثرت -كما هو الواقع اليوم- فليرتقبوا هذه العقوبات، نسأل الله العافية! والخسف بأن يخسف بهم في الأرض، والمسخ بأن يمسخوا قردة أو خنازير، والرجم من السماء، حتى إنه جاء: (أن الناس يتحدثون فيما بينهم ويقولون: البارحة خسف بآل فلان، والبارحة مسخ آل فلان، والبارحة رجم آل فلان) ، وهذا دليل على أن الناس حينئذٍ لا يبالون، يرون العذاب ويقعون في المعاصي؛ لأن الرين استولى على قلوبهم وغطاها، فأصبحوا لا يتعظون بمواعظ، ولا يزدجرون بالكوارث إن رأوها وشاهدوها.

وقوله: {أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك:١٧] هذا توعد شديد، يعني: كيف إنذاري، وهل هو يتخلف أو لا؟ إنذاره جل وعلا إذا جاء لا يرد، فيجب أن يخاف ويحذر منه، والنذارة تكون لأمر مخوف متوقع الحصول، فمعنى ذلك أن هذا مخوف ومتوقع الحصول.

<<  <  ج: ص:  >  >>