للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قول المرجئة: (لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة)]

أما قول المرجئة: (إنه لا يضر مع الإيمان معصية؛ كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة) ، فهو قول فاسد لا قيمة له؛ ولا يعتبر به، لأنه لا يستند إلى دليل شرعي، ولا عقلي، ولا وضعي، وإنما هو قول مبنيٌ على خيالات وشبهات وهوى، فلا يلتفت إليه.

إذاً: فالكفر يتفاوت، وبعض الكفر أعظم من بعض؛ ولهذا صارت جهنم دركات والمنافقون في الدرك الأسفل منها، فهي دركات وطبقات وكل طبقة فوق الأخرى، كما أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) ، ومعلوم أن السارق والزاني والمنتهب إذا لم يستحل ذلك فهو مؤمن؛ أي: معه مطلق الإيمان، فهو لم يخرج من الإيمان إلى الكفر.

والأصل في هذا أن الإنسان إذا آمن بالله جل وعلا يبقى معه الإيمان حتى يأتي بشيء يخرجه منه، مثل الشرك أو التكذيب، أو جحود الحلال، أو تحليل الحرام أو ما أشبه ذلك، فإذا فعل ذلك خرج من الإيمان.

إذاً: (الإيمان يزيد وينقص) وزيادته تكون بالعمل وبالتصديق وليس بالعمل فقط، أي: أن الزيادة تكون في الجوارح وفي القلب، والنقص كذلك، أما كونها في الجوارح فأمر ظاهر، فإذا ترك الإنسان العمل يكون إيمانه ناقصاً، وأما النقصان فهو أيضاً ظاهر؛ لأن إيمان بعض الناس ويقينه وتصديقه ليس كبعض، فبعض الناس عنده مجرد إيمان وتصديق، ولو شكك لشك، فإذا عوفي وسلم من الشكوك والريب ومات على ذلك، كانت نعمة عليه، وهو من أهل الجنة إن شاء الله.

أما إذا وجدت فتن وأمور تشككه وتخرجه عن اليقين ربما خرج عن الإيمان، وصار كافراً، وكذلك بعض الناس، وبعض المؤمنين، لو أمر بالجهاد لم يجاهد، ولا يستطيع أن يجاهد، فيخاف من الموت أو يحب الدنيا، ومع ذلك فهو مؤمن، ولكن إيمانه ضعيف، بينما منهم من يسارع إلى ذلك، ويحب هذا ويرغب فيه كثيراً.

فهل يعقل أن يكون هذا مثل هذا؟ إذاً: التصديق نفسه يزيد وينقص، وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>