للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان عند المعتزلة والخوارج وموقفهم من العصاة]

أهل السنة لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي، وإنما يكفر الإنسان بالكفر الذي يكون شركاً أو جحوداً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو تركاً للعمل كلية كترك الصلاة وما أشبه ذلك، وعدم الالتزام بالدين.

وتعريف الإيمان عند الخوارج هو تعريف أهل السنة، ولكنهم يزيدون (الإتيان بجميع الواجبات، واجتناب جميع المحرمات) وعندهم لابد أن يأتي بجميع ما وجب، ولا يخل منه بشيء، ويترك جميع ما حرم عليه، فإن أخل بذلك فليس بمؤمن.

والمعتزلة يتفقون معهم في هذا، ولكنهم اختلفوا معهم في التسمية، وفي في الدنيا ولكن في الآخرة اتفقوا معهم، فعندهم الحكم في الدنيا، أنه لا يحكم عليه بالكفر، أما التسمية فإنه لا يسمى عندهم كافراً، ولكن أيضاً لا يسمى مؤمناً، ولكنه يكون بين الكفر والإيمان، وهذا شيء اختصوا به من بين الناس، والعجيب أنهم جعلوه ركناً من أركان الدين الإسلامي عندهم، وهو ما يسمى (المنزلة بين المنزلتين) ، وهذا من البدع والضلال.

أما في الآخرة فيتفقون مع إخوانهم الخوارج بأنهم لا يخرجون من النار؛ ولهذا قال: (كما يفعله الخوارج) بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، وعرفنا وجه ثبوت الأخوة مع المعاصي، كما قال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:١٧٨] ، وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:٩-١٠] .

والاستدلال بهذه الآية من وجهين: الوجه الأول: قوله: (اقتتلوا) أثبت لهم الإيمان مع وجود القتال.

والوجه الثاني: قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] ، وأمر بالإصلاح بين هؤلاء المقتتلين، وهذا أمر شرعي يجب أن يمتثل، فهو دليل على أنهم لم يخرجوا عن الدين الإسلامي، وهو من الأدلة التي تبطل مذهب الخوارج، ومذهب المعتزلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>