للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر بعض فضائل الصحابة رضي الله عنهم]

وقوله: (وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) هذا الحديث مخرج في الصحيحين، وجاء في سبب ذكره أن خالد بن الوليد رضي الله عنه تكلم على عبد الرحمن بن عوف، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ، والكلام موجه لأحد الصحابة الذين أسلموا بعد الفتح؛ لأن خالد بن الوليد رضي الله عنه أسلم بعد صلح الحديبية، وصلح الحديبية هو الفتح على القول الصحيح؛ فسورة الفتح نزلت فيه، وقد نص الله جل وعلا على ذلك في آيات متعددة وأخبر أنه لا يستوي الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا مع الذين أنفقوا وقاتلوا بعد الفتح، ومع ذلك أخبر الله جل وعلا أنه وعد كلاً الحسنى.

وهذه الآية استدل بها ابن حزم على أن الصحابة كلهم في الجنة، فقال: هذه الآية دليل على أنه لو شهدنا للصحابة كلهم بالجنة لما كنا قلنا إلا بالحق، لأنه سبحانه قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:١٠] ، والحسنى: دخول الجنة.

والمقصود: أنه إذا كان هذا الكلام الذي صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم موجهاً لأحد الصحابة، فكيف يقال في غيرهم ممن يتكلم في الصحابة أو يفاضل بينهم وبين غيرهم؟! وقوله: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً) معلوم أن مثل هذا لا يتأتى، بل غير ممكن أن أحداً ينفق مثل أحد، ولكن هذا على سبيل الفرض الذي لا يوجد، فلو قدر أن هذا الجبل العظيم يكون مثله ذهباً بالقدر، ثم أنفقه إنسان في سبيل الله مخلصاً في نفقته ما يريد في ذلك إلا وجه الله؛ فإنه لا يبلغ من الأجر به مثل مد واحد من الصحابة أنفقه قبل الفتح.

والمد: مكيال معروف صغير يصل إلى قرابة الكيلو جرام.

ثم هذا القول يقال لمثل خالد بن الوليد، ليس لأناس جاءوا بعد الصحابة، وبهذا يتبين الفضل العظيم الذي اختص به الصحابة رضوان الله عليهم.

وقد جاءت آيات كثيرة في فضل الصحابة، كما قال جل وعلا: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:١٠٠] ، وقال جل وعلا: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:١٨] ، وقال سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩] .

روى ابن بطة في (الإبانة) عن الإمام مالك أنه قال في هذه الجملة من الآية: كل من غاظه شأن الصحابة فليس من أهل الإيمان، لقوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩] .

وروى ابن بطة أيضاً وغيره عن الإمام مالك أنه قال في آية سورة الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ} [الحشر:١٠] الآية؛ كل من سب الصحابة أو أبغضهم فإنه ليس له نصيب في الفيء؛ لأن الآية في الفيء: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر:٧] إلى أن قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر:١٠] .

والآيات في فضل الصحابة كثيرة كما أن الأحاديث كثيرة، وقد روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الله الله! لا تسبوا أصحابي، ولا تتخذوهم غرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم) ، وجاء فيه أيضاً أن: (من أبغض الصحابة فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) .

وقد أفردت فضائل الصحابة في كتب مستقلة، وينبغي للإنسان أن يعود إليها وأن يقرأها ولاسيما في هذا الوقت الذي صدق فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يلعن آخر هذه الأمة أولها، وإذا وقع ذلك فمن كان عنده علم فليخرجه -أو قال: فليظهره- ومن لم يفعل ألجمه الله لجاماً من نار) .

والذين يرمونهم طوائف أهلها كلهم ضالون، فقسم منهم غلوا فضلوا، وقسم منهم جفوا فضلوا، فالخوارج يسبونهم ويكفرون كثيراً منهم، وقصتهم وسبب خروجهم على جماعة المسلمين معروفة، وقد قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتلهم.

وكذلك الروافض أصلهم منافق أو زنديق جاء لإفساد الدين فدخل فيه تستراً وليس مؤمناً، فبدأ بإفساده حتى أغرى أوباشاً من العراق ومن مصر وغيرها فتجمعوا وقتلوا أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، حاصروه في داره ثم اقتحموا عليه بيته وقتلوه في بيته مظلوماً، وكل هذا بسبب هذا الزنديق، ثم بعد ذلك صار ينشر دعوته المسمومة الفاسدة في أنه ما مات نبي إلا وله وصي، وأن الصحابة رضوان الله عليهم تمالئوا على الكفر والكذب والظلم إلى آخره، ومن تتبع دعوته وكلامه وما نتج عنه من الفساد علم ما وقع في المسلمين بسببه، بل لا تزال آثار ذلك باقية إلى اليوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>