للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على الخلفاء الراشدين وخلافتهم وبعض من شهد له الرسول بالجنة]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة: [وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.

ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة.

ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بـ عثمان، ويربعون بـ علي رضي الله عنهم كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة.

مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما -بعد اتفاقهما على تقديم أبي بكر وعمر - أيهما أفضل؟ فقدم قوم عثمان وسكتوا، وربعوا بـ علي، وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا.

لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي، وإن كانت هذه المسألة -مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي ضللوا فيها مسألة الخلافة؛ وذلك لأنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله.

ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: (أذكركم الله في أهل بيتي) وقال أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) .

ويتولون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) .

ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل] سبق أن من أصول أهل السنة سلامة ألسنتهم وقلوبهم من الطعن في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعتقدون أنهم أفضل الأمة؛ لأنهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقوا الإيمان والعلم عنه صلى الله عليه وسلم، وتربوا على يديه صلوات الله وسلامه عليه، فكانت لهم الميزة عن غيرهم لمناصرتهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومصاحبتهم له، وتلقيهم عنه.

وهذا مما خص الله جل وعلا به أهل السنة، وهذا ليس عن رأي رأوه أو مذهب تمذهبوا به من عند أنفسهم، أو على مستوى عقول أو أقيسة، وإنما ذلك اتباع لكتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله جل وعلا في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠] يعني أن الذين جاءوا بعد الصحابة يجب أن تكون صفتهم هذه: أنهم يستغفرون للصحابة ويتولونهم، ويسألون الله جل وعلا ألا يكون في قلوبهم غل لهم وحقد عليهم؛ لأن هذه صفة غير المؤمنين، بل صفة الذين يكونون خارجين من الإيمان، كما قال الله جل وعلا: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:٢٩] ، ولهذا قال الإمام مالك وغيره من السلف: كل من غاظه شأن الصحابة فهو ليس من المؤمنين.

وكذلك النصوص التي جاءت في كتاب الله في الثناء عليهم بقوله جل وعلا: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:١٠٠] إلى آخر الآية، وقوله جل وعلا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩] إلى آخر الآية، في آيات كثيرة.

وكذلك في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يذكر فضلهم ويحذر من الكلام فيهم، بل صار في آخر حياته صلوات الله وسلامه عليه يكرر ذلك، ويقول: (الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً، فإن من أحبهم فإنما أحبهم بحبي، ومن أبغضهم فإنما أبغضهم ببغضي) ، وغير ذلك مما يذكره صلى الله عليه وسلم.

كذلك مما ينوه بفضلهم قوله صلى الله عليه وسلم: (خير القرون الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) فجعل خير الناس وخير الأمة هم صحابته صلى الله عليه وسلم.

ولهذا كل من تكلم فيهم بمسبة أو لعن أو تحقير لشأنهم فإنه يكون خارجاً عن سبيل المؤمنين، والله يوليه ما تولى، ومن تولى غير سبيل المؤمنين فقد توعده الله جل وعلا بأن يصليه جهنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>