للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام أفعال الله]

وقوله: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) : في هذه الآية شيئان من الأفعال التي يوصف الله جل وعلا بها: القسم الأول: الله جل وعلا له أفعال تتعدى ويوصف بها تعالى، حسب تعلقها بمشيئته مثل الخلق والإماتة كقوله: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ)) ، وفي ضمن هذا أن الخلق الذي هو فعله غير المخلوق، فالسماوات ليست هي خلقه الذي هو صفته، بل هي مفعوله الذي هو أثر الخلق، فيجب أن يفرق بين هذا وهذا؛ لأن أهل الباطل لا يفرقون، ولاسيما الأشاعرة، فإن عندهم أن الخلق هو المخلوق ولا فرق بين هذا وهذا، وهذا باطل؛ فإن الخلق الذي هو صفة الله التي بها يفعل غير المخلوق الذي هو منفصل عن الله وبائن عنه، ومشاهد ويرى وتجري عليه أقداره وأحكامه وأوامره.

وقوله: ((خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)) : سبق أن الظاهر من كلام الله جل وعلا وكلام رسوله: أن هذه الأيام الستة هي مثل أيامنا هذه، والذي يقول: إن تلك الأيام اليوم منها كألف سنة لا يستند إلى دليل، وليس هناك دليل إلا ما يؤخذ من خرافات علماء أهل الكتاب الذين يريدون أن يفسدوا عقائد المسلمين، وكم من البلاء دخل على المسلمين بسبب ما ينقل عن أهل الكتاب من الخرافات، والأمور التي لا يجوز أن يترك كتاب الله جل وعلا من أجلها، ولا يجوز أن تكون تفسيراً لكتاب الله، بل يجب أن يُبتعد عنها، وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن الذي يروى عن أهل الكتاب على ثلاثة أنحاء: منها: ما هو مخالف لما عندنا، فهذا يجب رده ولا نلتفت إليه.

ومنها: ما هو مصدِق لما عندنا، وهذا قد أغنانا الله عنه بما عندنا، فلا حاجة إليه.

ومنها: ما هو مسكوت عنه، وهذا الذي جاء الإذن بالتحديث عنه، ولكن لا يصدق ولا يكذب، والله أعلم به.

وعلى هذا تكون مقدار الستة الأيام في علم الله جل وعلا، ولو لم يكن هناك شمس وقمر وأرض فإن كل شيء معلوم لدى الله جل وعلا بمقداره، بحيث إنه يعلم الأشياء التي لم تكن على ما هي عليه، ولا يزيد وجودها في علمه شيء، فهو خلق السماوات والأرض وما بينها في هذه الأيام الستة، وأولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة.

وأما ما في صحيح مسلم: (أن الله خلق التربة يوم السبت) .

فهذا مما هو غلط قطعاً؛ لأنه مخالف لكتاب الله، والأحاديث الصحيحة، فالخلق كان في ستة أيام فقط وليس في سبعة؛ لأن مقتضى هذا أن الخلق كان في سبعة، وهذا مخالف لنص القرآن الذي ذكره الله جل وعلا في سبعة مواضع وعطف عليه الاستواء بلفظة (ثم) .

فخلق السماوات والأرض والإحياء والإماتة وما أشبه ذلك، هذه الصفة من الصفات التي تسمى: أفعالاً متعدية.

والقسم الثاني: ما ذكره في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] ، وهذا هو الفعل اللازم، فهو جل وعلا يوصف بالأفعال المتعدية وبالأفعال اللازمة، واللازمة مثل الاستواء ومثل النزول والمجيء والإتيان وما أشبه ذلك.

والصفات المقصود بها هنا: الأفعال التي تتعلق بمشيئته يفعلها إذا شاء؛ فهو فعَّال لما يريد.

وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، سبق معنى الاستواء، وأن هذا المعنى ظاهر جداً في لغة العرب، ولا يجوز أن يؤول عن ظاهره، ولما كثر الخوض في ذلك اضطر علماء السلف أن يفسروه بألفاظ مترادفة، فجاء تفسيره عنهم بأربعة ألفاظ مترادفة، قالوا: استوى: علا، وقالوا: صعد، وقالوا: ارتفع، وقالوا: استقر، وكلها ألفاظ ظاهرة يفهم معناها السامع الذي يعرف اللغة، ومجرد ما يسمع ذلك يفهمه.

والاستواء لا يجوز أن يكون بمعنى الاستيلاء، فإن الاستيلاء يتطلب المغالبة، ويتطلب أنه كان قبل ذلك مغلوب عليه تعالى الله وتقدس، كما يقال: استولى الملك الفلاني على البلد الفلاني بعدما كان خارجاً عن ولايته وعن حكمه، فلو كان معنى الاستواء على العرش: الاستيلاء لصح أن نقول: إنه استولى على الأرض، واستولى على السماء، واستولى على كل شيء، وعلى هذا نقول: استوى على الأرض، واستوى على السماء، واستوى على كل مخلوق، ولكن الاستواء جاء خاصاً بالعرش فقط، فلا يجوز أن يطلق على الله جل وعلا إلا ما أطلقه على نفسه، وأما التأويلات التي تئول إلى إبطال كلام الله جل وعلا وأوصافه فيجب أن ترد ولا يلتفت إليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>