للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام النزول في القرآن]

والنزول جاء في القرآن على أقسام ثلاثة: ١- نزول مقيد بأنه من الله، وهذا في مثل هذه الآيات.

٢- نزول مقيد بأنه من السماء {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [المؤمنون:١٨] .

نزول مطلق كقوله: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} [الحديد:٢٥] ، {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر:٦] ، فالنزول في هذه الآية مطلق؛ لأنه يجوز أن يكون: نزول الماء من الفحل في رحم الأنثى، وأما الحديد: فيجوز أن يكون من الأمكنة المرتفعة كالجبال وغيرها، أما النزول المقيد بأنه من السماء -والسماء ما كان فوق- فهذا خاص بإنزال المطر، وأما النزول المقيد بأنه من عند الله فهو خاص بالقرآن، فصار إنزال القرآن صفة من صفاته تعالى، وقيده بأنه نزل من عنده، وأنه أنزله على رسوله، وليس هناك نزول غير هذه الأمور.

أما كون الجبل لو نزل عليه هذا القرآن لتصدع وتفطر فعلى ظاهره، وفي هذا أن الجمادات لها إحساس يعلمه الله جل وعلا وإن كنا لا نعرفه نحن، فهي تسبح لله وتخاف الله، وقد أخبر جل وعلا: أن بعض قلوب بني آدم تكون أشد قساوة من الحجارة، وبين أن الحجارة منها ما يتصدع ويخرج منه الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله، والهبوط هو الخضوع والذل حقيقةً.

وفي هذه الآية يخبر أنه لو نزل هذا القرآن على جبل يعني: لو خوطب الجبل به لخشع وتصدع من خشية الله، وإن كان من حجارة قاسية، ولكن كثيراً من الناس لا تتأثر قلوبهم بهذا القرآن، وهذا يدل على أن التصدع والخشوع والتسبيح أمر محسوس يعلمه الله ويسمعه، وأما خلقه فإنه يسمعهم ما يشاء من ذلك، وقد علم أن الطعام كان يسبح بين يدي رسول الله صلى الله عليه سلم، والحصى سبح بين يديه، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني أعرف حجراً بمكة كان يسلم علي يقول: السلام عليك يا رسول الله) ، ومن الأمور المشهورة أنه لما كان يخطب صلوات الله وسلامه عليه على جذع نخلة يابس في مسجده، ثم أمر أن يصنع له منبر من الخشب، فلما صنع له ترك الجذع، فأول ما قام يخطب على المنبر صار ذلك الجذع يحن كحنين الناقة العشراء إذا فقدت ولدها، وسمعه كل أهل المسجد حتى نزل من على المنبر والتزمه فصار يهدؤه حتى انخفض صوته مثل الطفل حتى يبكي فتلتزمه أمه، وهذا أمر حقيقي، وقد أخبر الله جل وعلا أن كل شيء يسبح بحمده ولكن الناس لا يفقهون تسبيحه.

إذاً: فهذا على ظاهره، وهذا هو الواجب: أن يحمل الكلام على ظاهره إذا لم يأت دليل يمنع ذلك، ولا دليل هنا إلا العقل الذي لا ضابط له، فكل يدعي أن العقل معه.

<<  <  ج: ص:  >  >>