للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَتْبَعُ الْوَرَثَةَ الْمَالُ

- قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَغِيبُ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ، فَيَأْتِي غُرَمَاؤُهُ فَيُرِيدُونَ بَيْعَ مَالِهِ وَاقْتِضَاءَ حَقِّهِمْ، وَلَعَلَّهُ كَثِيرُ الْمُدَايَنَةِ يَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ الَّذِينَ حَضَرُوا؛ قَالَ: لَيْسَ الْحَيُّ كَالْمَيِّتِ، لَيْسَ يَنْبَغِي لِمَنْ قَامَ يَطْلُبُ حَقًّا بِحَقٍّ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ حَقِّهِ، اسْتُبْرِئَ لِدُيُونِهِ.

وَلَكِنْ يُبَاعُ لِمَنْ حَضَرَ، فَيُعْطَى حَقَّهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا مَعْرُوفًا، فَيُحَاصُّ بِهِ، وَيُعْطِي الطَّالِبَ حَقَّهُ، لأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ ذَنَّبَتْ ذِمَّتُهُ، وَلأَنَّ الْحَيَّ قَدْ بَقِيَتْ لِغُرَمَائِهِ ذِمَّتُهُ.

- وَقَالَ لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي الرَّجُلِ يَغِيبُ فِي بَعْضِ الْمَخَارِجِ، ثُمَّ يَهْلِكُ، فَيَأْتِي رَجُلٌ بِذِكْرِ حَقٍّ عَلَى الْمَيِّتِ فَيُرِيدُ أَخْذَ حَقِّهِ، وَيَقُولُ الْوَرَثَةُ: نَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ سِوَى هَذَا؛ قَالَ: إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلٌ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ بِالدَّيْنِ قَضَى هَذَا حَقَّهُ وَلَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَدَّ مِدْيَانًا فِي ظَاهِرِ مَعْرِفَةِ النَّاسِ يُخَافُ كَثْرَةُ دَيْنِهِ لَمْ يُعْجَلْ بِقَضَاءِ هَذَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَ ذَلِكَ.

- وَقَالَ لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَهُوَ مِدْيَانٌ أَوْ غَيْرُ مِدْيَانٍ، مَعْرُوفٌ كِلاهُمَا فِي حَالِهِ، ثُمَّ يَبِيعُ الْوَرَثَةُ أَمْوَالَهُمْ فَيَقْتَسِمُونَهَا، ثُمَّ يَأْتِي دَيْنٌ عَلَى هَذَا، فَيُوجَدُ الْمَالُ بِأَيْدِي النَّاسِ الَّذِينَ اشْتَرَوْا؛ قَالَ: أَمَّا الَّذِي يُعْرَفُ بِالدَّيْنِ لا يُجْهَلُ أَمْرُهُ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يَأْخُذُونَ مَا وَجَدُوا بِأَيْدِي الَّذِينَ اشْتَرَوْا وَيَتْبَعُ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْوَرَثَةَ بِأَمْوَالِهِمْ؛ وَأَمَّا الَّذِي لا يُعْرَفُ بِالدَّيْنِ وَلا يُظَنُّ بِهِ، فَإِنَّمَا يَتْبَعُ غُرَمَاؤُهُ الْوَرَثَةَ بِثَمَنِ مَا بَاعُوا، كَانَ فِيهِ وَفَاؤُهُمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ.

- وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، ثُمَّ يَبِيعُ الْوَرَثَةَ فَيَقْتَسِمُونَهُ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَيْهِ بَعْدُ فَيُوجَدُ الْمَالُ بِأَيْدِي النَّاسِ الَّذِينَ اشْتَرَوْا.

قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ الَّذِي بِيعَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُسْتَنْكِرٍ وَلَمْ يُعْلَمْ بِالدَّيْنِ، فَإِنَّمَا يَتْبَعُ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ بِالثَّمَنِ الَّذِينَ قَبَضُوا، وَلا تُنْتَزَعُ السِّلَعُ مِنْ أَصْحَابِهَا الَّذِينَ اشْتَرَوْا وَضَمِنُوهَا.

وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ وَغَيْرُهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِدَيْنِ الْمَيِّتِ فَبَادَرُوا قُدُومَ الْغُرَمَاءِ وَقِيَامَهُمْ بِالْمَالِ، فَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا.

الْمُشْتَرِي عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَارِ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَأْخُذَ الْغُرَمَاءُ مَا أَدْرَكُوا مِنْ سِلَعِ الْمَيِّتِ.

فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِمَّا ابْتَاعَ النَّاسُ مِنْ تِلْكَ السِّلَعِ وَالرَّقِيقِ وَالْحَيَوانِ قَدْ دَخَلَهُ نَمَاءٌ أَوْ زِيَادَةٌ، فَأَحَبَّ الَّذِي ابْتَاعَ تِلْكَ الرَّقِيقَ أَنْ يُؤَدِّيَ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ.

- وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَيَتْرُكُ مَالا مِنْ عَرَضٍ وَعَيْنٍ، وَيَتْرُكُ عَلَيْهِ دَيْنًا لا يُدْرَى كَمِ الدَّيْنِ، وَلا كَمْ تَرَكَ مِنَ الْمَالِ، فَلَمْ يُحَصَّلْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلَمْ، فَيَقُومُ بَعْضُ وَرَثَتِهِ فَيَقُولُ لِغُرَمَائِهِ: أَنَا أَتَحَمَّلُ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ مَا تَرَكَ وَيَكُونُ الْمَالُ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ نَقْدًا، لا يُضْرَبُ فِي ذَلِكَ أَجَلا؛ لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ، وَلَمْ يَزَلْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَالْتِمَاسِ الْخَيْرِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَكَانَ أَيْضًا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْغُرَمَاءِ.

وَمِنْ تَفْسِيرِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ الَّذِي تَحَمَّلَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ فَضْلٌ عَنْ دَيْنِهِ كَانَ لِجَمِيعِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَحَمِّلِ بِالدَّيْنِ فَضْلٌ يَأْخُذُهُ؛ وَإِنْ نَقَصَ الْمَالُ كَانَ عَلَى الَّذِي تَحَمَّلَ خَاصَّةً، وَكَانَ إِنَّمَا تَحَمَّلَ عَلَى النَّقْدِ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا وَجْهَ مَا صَنَعَ وَعَلَى هَذَا دَخَلَ فِي هَذِهِ الْحِمَالَةِ فَلَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ.

وَإِنْ كَانَ الْمُحْتَمِلُ يَكُونُ لَهُ مَا فَضَلَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ عَنْ دَيْنِهِ أَوْ إِلَى أَجَلٍ يَضْرِبُهُ لَهُ مُسْتَأْخِرًا، فَإِنَّ هَذَا لا يَصْلُحُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى هَذَا خَرَجَ مِنْ أَمْرِ الْمَعْرُوفِ، وَكَانَ إِنَّمَا هُوَ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ فِيهِ غَرَرٌ عَظِيمٌ تَحَمَّلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ضِمْنَ مَا نَقَصَ، عَلَى أَنَّ لَهُ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ، أَوْ يَكُونُ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ تَرِكَةَ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ لَهُ أَجَلا مُسْتَأْخِرًا، فَيَأْخُذُ هَذَا الْقَلِيلَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَكْثَرَ مِنْهُ إِلَى أَجَلٍ، وَفِي ذَلِكَ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَأَشْيَاءُ غَيْرُ مُسَمَّاةٍ وَلا مَعْلُومَةٍ مِنْ تَرِكَةِ الرَّجُلِ.

فَإِذَا صَنَعَ هَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَدَخَلَهُ الأَجَلُ، فَإِنَّمَا هُوَ بَيْعٌ يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ.

- وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ إِذَا مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ وَلَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَأْبَى وَرَثَتُهُ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى حَقِّهِ؛ رَأَيْتُ أَنْ يُحَلَّفَ الْغُرَمَاءُ وَيَأْخُذُوا حُقُوقَهُمْ؛ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ لَمْ أَرَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَبْطُلَ حَقُّهُمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الأَيْمَانَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا وَتَرَكُوهَا، إِلا أَنْ يَقُولُوا: لَمْ نَعْلَمْ لِصَاحِبِنَا فَضْلا؛ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا تَرَكُوا الأَيْمَانَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، رَأَيْنَا أَنْ يَحْلِفُوا وَيَأْخُذُوا مَا بَقِيَ.

<<  <   >  >>