للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: فبينما هو كذلكَ، إذ أتَى ذاتَ يومٍ على دابَّةٍ فظيعةٍ عظيمةٍ، قد حبستِ النَّاسَ، فلا يستطيعونَ أن يَجُوزُوا، فقال: اليومَ أعلمُ أمرُ الرَّاهبِ أحبُّ إلى اللهِ أَمْ أمرُ السَّاحرِ؟ فأخذَ حجرًا فقال: اللَّهُمَّ إنْ كان أمرُ الرَّاهبِ أحبَّ إليكَ، وأرضَى لكَ مِنْ أمرِ السَّاحرِ، فاقْتُلْ هذه الدَّابَّةَ حتَّى يَجوزَ النَّاسُ، ورَماها، فقتلَها ومضَى النَّاسُ، فأخبرَ الرَّاهبَ بذلِك، وقال: أيْ بُنيَّ، إنَّكَ أفضلُ منِّي، وإنَّك ستُبتَلَى، فإنِ ابتُلِيتَ فلا تَدُلَّ عليَّ، وكان الغُلامُ يُبرِئُ الأَكْمَه والأَبرَصَ وسائرَ الأدواءِ وسقيمَهُم، وكان جليسٌ للمَلِكَ قد عَمِيَ فسَمِعَ به، فأتَى بهدايا كثيرةٍ، فقال له: اشفنِي ولك ما هاهُنا أجمعُ. قال: ما أَشفِي أنا أحدًا، إنَّما يَشفِي اللهُ، فإن آمنتَ باللهِ دعوتُ اللهَ تعالَى فشفاكَ، فآمَنَ، فدَعا له فشفاهُ، ثمَّ أتَى المَلِكَ فجلسَ معه نحوَ ما كان يجلِسُ، فقال له المَلِكُ: يا فلانُ، مَنْ رَدَّ عليكَ بَصَرَكَ؟ قال: ربِّي. قال: أنا؟ قال: لا، ولكن ربِّي وربُّكَ اللهُ. قال: أَوَ لَك ربٌّ غيرِي؟! قال: نَعَم. فلم يَزَلْ يُعذِّبْه حتَّى دلَّ على الغُلامِ، فبعثَ إليه فقال: أيْ بُنيَّ، قد بلغَ مِنْ سِحرِكَ أنْ تُبرِئَ الأَكْمَه والأَبرَصَ وهذهِ الأدواءَ؟ قال: ما أشفِي أنا أحدًا، إنَّما يشفِي اللهُ. قال: أنا؟ قال: لا. قال: وإنَّ لكَ ربًّا غيرِي؟ قال: نَعَم ربِّي وربُّكَ اللهُ، فأخذَهُ أيضًا بالعذابِ، فلم يَزَلْ به حتَّى دَلَّ على الرَّاهبِ، فأتَى بالرَّاهبِ، فقال: ارجِعْ عن دِينِكَ (١)، فوضَعَ المِنْشارَ في مَفْرِقِ رأسِه حتَّى وقعَ شِقَّاهُ، فقال للأعمَى: ارجِعْ عن دِينِكَ فأبَى، فوضَعَ المِنْشارَ في مَفْرِقِ رأسِه حتَّى وقعَ شِقَّاهُ إلى الأرضِ. فقال للغُلامِ: ارجِعْ عن دِينِكَ فأبَى، فبَعَثَ به مع نفرٍ إلى جبلِ كذا وكذا وقال: إذا بلغتُمْ ذُرْوتَه، فإنْ رجعَ عن دينِه، وإلَّا فدَهْدِهُوهُ مِنْ فوقِه، فذهبُوا به فلمَّا عَلَوا بهِ الجَبَلَ قال: اللَّهُمَّ اكفينِهِم بما شئتَ، فرجَفَ بهمُ الجَبَلُ فتدَهْدَهُوا أَجمعِينَ، وجاءَ الغُلامُ يتلَمَّسُ حتَّى دخلَ على المَلِكِ فقال: ما فعلَ أصحابُكَ؟ قال: كفانِيهِمُ اللهُ، فبعثَ به معَ نفرٍ في قُرْقُورٍ (٢) وقال: إذا لَجَجْتُمْ به البحرَ، فإنْ رجعَ عن دينِه وإلَّا فغرِّقوهُ، فلجَجُوا البحرَ، فقال الغُلامُ: اللَّهُمَّ اكفنيِهِم بما شئتَ، فغرقُوا أجمعونَ، وجاءَ


(١) بالحاشية: «لعله: فأبى».
(٢) القرقور: ضرب من السفن، عربي معروف. «الجمهرة» (١/ ١٩٩)

<<  <   >  >>