للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرجوع إليهما عند الاختلاف ولزوم جماعة المسلمين، فمن تمسك بذلك واعتصم به نجا ومن أعرض عنه هلك.

ولما كان المبتدع قد قدم هواه وبدعته على الشرع الذي ضمن الله العصمة في اتباعه كان جزاؤه أن تنزع العصمة منه ويوكل إلى نفسه (١) وهذا غاية الخذلان وسلم الحرمان إلا من يتداركه الله برحمته، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] (٢) .

فهذه الفتنة في الدنيا وذلك العذاب الأليم في الآخرة جزاء لكل مخالف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه. والمبتدع قد خالف السنة برأيه وهواه، فكان جزاؤه جزاء المخالفين إلا أن يتوب. ولا تزال البدع والأهواء بأصحابها حتى توقعهم في المهالك وتوردهم المعاطب وتلقي بهم في أودية الشبهات والشهوات، وذلك جزاء وفاقا لهم لأنهم التمسوا الهدى في غير ما أنزله الله ولم يسلموا لله في خبره وأمره ونهيه.

فأهل الكلام منهم أكثر الناس شبها. ما فروا من شيء إلا وقعوا فيما هو أسوأ منه. وأهل الزهد والتصوف منهم أكثر الناس جهلا بمقاصد الشرع وأكثرهم اتباعا للهوى. وأهل التشيع والرفض من أقل الناس عقلا وأكذبهم في النقل. فعامتهم في خلط وتلبيس، ولأجل هذا نهى السلف أتباعهم عن الجلوس إلى المبتدعة أو مصاحبتهم حتى لا يفتتن بهم الناس ويكون في ذلك ردعا لأصحاب الأهواء والبدع.

فعن سفيان الثوري قال: (من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع بقلبه شيء يزل به فيدخله النار، وإما أن يقول: والله لا أبالي ما تكلموا به، وإني واثق بنفسي. فمن يأمن بغير الله طرفة عين على دينه سلبه إياه) (٣) .


(١) انظر: الاعتصام، ١ / ١١٢ - ١١٣.
(٢) سورة النور، آية (٦٣) .
(٣) رواه عنه صاحب الاعتصام، ١ / ١٣٠.

<<  <   >  >>