للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[البعد عن الله]

٣ - البعد عن الله: ومن آثار الابتداع: أن المبتدع كلما ازداد اجتهادا في بدعته ازداد من الله بعدا. ويبين هذا أن الله قد جعل ما شرعه من الواجبات والمستحبات وسيلة للتقرب إليه، وعلى قدر اجتهاد العبد في فعل الطاعات واجتناب المنهيات على قدر ما يكون قربه من ربه.

والمبتدع قد تعبد الله بما لم يشرعه من أنواع البدع التي نهى عنها الشرع، وهو يعتقد أنه يتقرب إلى الله بهذه البدع فكلما ازداد اجتهادا في بدعته كلما ازداد بعدا من الله. وذلك كمن يريد الذهاب إلى مكة فسلك في طريق معاكس. فكلما اجتهد في السير كلما ازداد بعدا عن مكة حتى ولو ظن أنه قد اقترب منها.

قال أيوب السختياني (١) .

(ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا) (٢) وفي الأحاديث الصحيحة عن الخوارج ما يؤيد ذلك، إذ كانوا أهل اجتهاد وعبادة وصلاة وصيام ومع ذلك مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية (٣) وما ذلك إلا بسبب بدعتهم.

[أن المبتدع يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله في الآخرة]

٤ - أن المبتدع يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله في الآخرة: ذلك أن الله قد جعل العزة له ولرسوله وللمؤمنين فقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨] (٤) وعلى قدر تمسك المسلم بدينه وعدم تعديه حدود الشريعة على قدر ما تكون له العزة. والمبتدع قد زاد في دينه أو نقص منه فتعدى


(١) هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختياني من أعلام التابعين رأى أنس بن مالك وروى عن عمرو بن سلمة الجرمي. قال عنه مالك كان من العاملين الخاشعين وقال: كتبت عنه لما رأيت من إجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم.
انظر: تهذيب التهذيب، ١ / ٣٩٧.
(٢) رواه ابن وضاح في كتاب البدع والنهي عنها، ص ٢٧.
(٣) سبق تخريجه، ص ٢٩٥.
(٤) سورة المنافقون، آية (٨) .

<<  <   >  >>