للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذان الحديثان- وما في معناهما- يدلان على أن أمر العبد موقوف على خاتمته والتي لا يعلمها إلا الله. لأجل هذا عظم خوف الصالحين من سوء الخاتمة، وجرت دموعهم مغزارة، خوفا من أن تزل قلوبهم ساعة الاحتضار فيختم لهم بسوء أو أن تنقلب أحوالهم بعد الطاعة عصيانا فيموتون على ذلك إن لم يتداركهم الله بتثبيته.

فهذا الذي جعلهم يخافون لعلمهم أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن فمن شاء أقامه ومن شاء أزاغه. فكانوا في كل وقت وحين يسألون الله التثبيت والثبات على الإيمان وحسن الخاتمة. ونسأل الله ذلك بمنه وكرمه.

وبعد. . فإن لسوء الخاتمة أسبابا تتقدم عليها منها الشرك أو النفاق أو التعلق بغير الله أو الكبر وما شاكله من الصفات المذمومة، أو البدعة وهي المقصودة بالذكر وصاحبها على خطر، وقل أن يختم لمبتدع بالسلامة إلا أن يتداركه الله برحمته (١) وإنما خيف على المبتدع سوء الخاتمة، لأن حال الموت حال انكشاف للحقائق فربما انكشف له حينئذ عوار بدعته وضلال ما كان عليه فيخيل له الشيطان حينئذ أن دينه كله ضلال. فيعتريه الشك حينئذ أو الجحود بالدين الحق فيختم له بما سبق عليه الكتاب.

ولهذا نجد رءوس أهل الأهواء والبدع يصرحون عند الموت بضلال ما كانوا فيه. . وتتقطع قلوبهم أسى وحسرة على ضياع أعمارهم فيما ظهر لهم ضلاله (٢) .

وحينئذ لا ينجي إلا التثبيت من الله ولا نجاة بدونه. فنسألك اللهم الثبات على الإيمان حتى نلقاك عليه.


(١) انظر: إحياء علوم الدين. الغزالي، ٤ / ٢١٤ - ٢٢٤، ط مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر.
(٢) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ص ٢٢٧- ٢٣٠.

<<  <   >  >>