للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة، فقد صدق.

وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (١) .

ومعنى هذا أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان وواجباته فلا يتحقق الإيمان بدونها، ولا يستحق المؤمن اسم الإيمان بدونها، وأن نفي الإيمان في الحديث إنما هو نفي لكمال الإيمان الواجب إذا لم توجد المحبة الراجحة على ما سواها من سائر المحاب فإذا وجدت هذه المحبة على هذه الصفة فهي دليل على كمال الإيمان بالنسبة لمن اتصف بها في هذا الجانب. وأما إذا لم توجد هذه المحبة على الصفة الراجحة كان من اتصف بها معرضا للوعيد لأنه أخل بواجب من واجبات الإيمان التي لا يتم الإيمان بدونها.

ومن الأحاديث الدالة على وجوب المحبة ما أخرجه البخاري بسنده عن عبد الله بن هشام قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. ضال النبي صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر» (٢) .

فهذا الحديث يبين أنه لا يبلغ المسلم حقيقة الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه.

وتلك هي قمة السمو في الحب حين يستعلى المسلم على رغبات النفس وشهواتها، مؤثرا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل ذلك، ويتبين هذا إذا تعارض أي أمر أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم مع رغبة من رغبات النفس فأيهما تقدم كان الحكم له.


(١) انظر المصدر نفسه ٧ / ٣٧.
(٢) صحيح البخاري. كتاب الإيمان والنذور. باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم ٨ / ١٦١.

<<  <   >  >>