للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالاتباع هو دليل المحبة الأول وشاهدها الأمثل، وهو شرط صحة هذه المحبة، وبدونه لا تتحقق المحبة الشرعية ولا تتصور بمعناها الصحيح.

وإذا كان الله سبحانه قد جعل اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم دليلا على حبه سبحانه، فهو من باب أوفى دليل على حب النبي صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: ٣١] (١) .

قال ابن كثير رحمه الله:

(هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية بأنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله.

كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (٢) ولهذا قال: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء: " ليس الشأن أن تحب إنما الشأن أن تحب ".

وقال الحسن البصري وغيره من السلف:

زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: ٣١] (٣) فتبين من هذا أن الاتباع هو أعظم شاهد على صدق المحبة، بل هو من أجل ثمارها.


(١) سورة آل عمران، آية (٣١) .
(٢) أخرجه البخاري تعليقا في كتاب الاعتصام. باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود، ٩ / ١٢٣.
(٣) تفسير ابن كثير. لإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ط. دار الفكر، بيروت، ١ / ٣٥٨.

<<  <   >  >>