للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} [الأنعام: ١٥٩] تعليل للنفي المذكور، أي: هو يتولى وحده أمرهم: أُولاهم وأُخراهم، ويدبره حسبما تقتضيه الحكمة.

ومن الناس من قال: المفرِّقون: أهل البدع من هذه الأمة:

فقد أخرج الحكيم الترمذي وابن جرير والطبراني وغيرهم «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا} [الأنعام: ١٥٩] إلخ: " هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة» (١) .

فيكون الكلام - حينئذ - استئنافا لبيان حال المبتدعين إثر بيان حال المشركين، إشارة إلى أنهم ليسوا منهم ببعيد.

والمقصود أن أهل الجاهلية سواء كانوا أميين أو كتابيين قد فرقوا دينهم، وتغايروا في الاعتقاد، فكان عُبَّاد الأصنام كل قوم لهم صنم يدينون له، ولهم شرائع مختلفة في عبادتها، ومنهم من كان يعبد كوكبا، ومنهم من كان يعبد الشمس، ومنهم، ومنهم، وكذلك الكتابيون على ما بَيَّنَّا.

فالافتراق ناشئ عن الجهل، وإلا فالشريعة الحقة في كل زمان لا تعدد فيها ولا اختلاف، ولذلك ترى القرآن يوحد الحق ويعدد الباطل:


(١) قال ابن كثير رحمه الله في " تفسيره ": لكن هذا إسناد لا يصح، فإن عباد بن كثير متروك الحديث، ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وهم في رفعه، اهـ.
ثم قال بعد ذلك: والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله، وكان مخالفا له، فإن الله بعث رسوله " بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله" [التوبة: ٣٣] وشرعه واحد لا اختلاف فيه، ولا افتراق، فمن اختلف فيه (وكانوا شيعا) أي: فرقا كأهل الملل والنحل، وهي الأهواء والضلالات، فالله قد برَّأ رسوله مما هم فيه، وهذه الآية كقوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك" الآية [الشورى: ١٣] اهـ. قلت: معنى (فرقوا دينهم) أي: بمخالفتهم له، واختلافهم فيه، (وكانوا شيعا) : فرقا كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات، وكل الفرق إلا الفرقة الناجية، وهي الملتزمة بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه (لست منهم في شيء) أي: أنت والرسل برآء منها. . انتهى نقلا عن " التفسير الوجيز على هامش الكتاب العزيز " (ص ١٥٠) .

<<  <   >  >>