للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الخامسة والثمانون تعيير الرجل بفعل غيره لا سيما أبوه وأمه]

الخامسة والثمانون تعيير الرجل بفعل غيره، لا سيما أبوه وأمه فخالفهم صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: «أَعَيَّرْتَهُ بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية» .

والحديث في صحيح الإمام البخاري في باب " المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنك امرؤ فيك جاهلية» ، وقول الله تعالى في سورة " النساء " [٤٨] : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]

وهذا الباب في كتاب الإيمان من صحيحه، ثم قال: «حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا شعبة عن واصل عن المعرور، قال: لقيت أبا ذر بالرَّبَذة (١) وعليه حُلَّة وعلى غلامه حُلَّة، فسألته عن ذلك، فقال: " إني ساببت رجلا، فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خَوَلُكُم، جعلهم الله [تعالى] تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم» (٢) .

وقد أطنب شراح الحديث في شرحه، وليس هذا موضع استقصائه، والمقصود منه أن تعيير الرجل بفعل غيره ليس من شأن كامل الإيمان والمعرفة، «فإن أبا ذر رضي الله تعالى عنه قبل بلوغه المرتبة القصوى من المعرفة تَسَابَّ هو وبلال الحبشي المؤذن، فقال له: " يا ابن السوداء فلما شكا بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: " شتمت بلالا، وعيرته بسواد أمه؟! قال: " نعم قال: " حسبت أنه بقي فيك شيء من كِبْر الجاهلية "، فألقى أبو ذر خده على التراب، ثم قال: " لا أرفع خدي حتى يطأ بلال خدي بقدمه» .

والناس اليوم - والأمر لله - قد كثرت فيهم خصال الجاهلية، فتراهم يعيرون أهل البلد كلهم بما صدر عن واحد منهم، فأين ذلك من خصال الجاهلية؟!


(١) الربذة: قرية من قرى المدينة النبوية. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (٣ / ٤٣) .
(٢) صحيح البخاري برقم (٣٠) .

<<  <   >  >>