للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل الخلق والأمر إنما قام بالحكم والغايات، فهما مظهران لحمده وحكمته.

فإنكار الحكمة إنكار لحقيقة خلقه وأمره، فإن الذي أثبته المنكرون من ذلك يُنَزَّه عنه الرب، ويتعالى عن نسبته إليه، فإنهم أثبتوا خلقا وأمرا لا رحمة فيه ولا مصلحة ولا حكمة، بل يجوز عندهم - أو يقع - أن يأمر بما لا مصلحة للمكلَّف فيه البتة، وينهى عما فيه مصلحة، والجميع بالنسبة إليه سواء.

ويجوز - عندهم - أن يأمر بكل ما نهى عنه، وينهى عن جميع ما أمر به، ولا فرق بين هذا وهذا إلا بمجرد الأمر والنهي.

ويجوز - عندهم - أن يعذب من لم يعصه طرفة عين، [بل أفنى عمره في طاعته وشكره] (١) ويثيب من عصاه، بل أفنى عُمُره في الكفر به والشرك والظلم والفجور، فلا سبيل إلى أن يعرف خلاف ذلك منه إلا بخبر الرسول، وإلا فهو جائز عليه.

وهذا من أقبح الظن وأسوئه بالرب سبحانه، وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور، بل هذا هو عين الظلم الذي يتعالى الله عنه.

والعجب العجاب أن كثيرا من أرباب هذا المذهب ينزهونه عما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال، ويزعمون أن إثباتها تجسيم وتشبيه، ولا ينزهونه عن هذا الظلم والجور، ويزعمون أنه عدل وحق، وأن التوحيد - عندهم - لا يتم إلا به، كما لا يتم إلا بإنكار استوائه على عرشه، وعلوه فوق سماواته، وتكلمه وتكليمه، وصفات كماله! فلا يتم التوحيد عند هذه الطائفة إلا بهذا النفي وذلك الإثبات، والله ولي التوفيق " (٢) .

انتهى المقصود من نقله، وتمام الكلام في هذا الباب من ذلك الكتاب، وإليه سبحانه المآب.


(١) ما بين المعكوفتين زيادة من شفاء العليل.
(٢) انظر: شفاء العليل (١٩٨ - ١٩٩) .

<<  <   >  >>