للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالعقاب، وألقوا باللائمة على عوامل الوراثة والبيئة والفساد الاجتماعي، وهذا قد يكون حقًا لا ينكر، ولكن الأمر ليس مقصورًا على هذا الجانب وحده، ذلك أن العضو المريض قد تكون المصلحة في بتره حتى لا يسري مرضه إلى الجسم كله، وهذا أمر مقرر عقلًا وواقعًا، وشرعًا قبل ذلك.

[قتل المفسدين]

والفساد الاجتماعي ما هو إلا من مجموع فساد الأفراد: والسجن فقط كما تنحى أكثر القوانين الوضعية ليس هو الحل الأمثل، فالسجون غلظت فيها قلوب كثير من المجرمين وخرجوا منها في ضراوة أشد وشقاوة أعظم، ومن اليسير أن يتعاون المجرمون واللصوص والقتلة في رسم الخطط، ويجعلوا من السجن ساحات ممهدة للتدارس وتقاسم المهمات يشاركهم في ذلك إخوان لهم في الغي خارج القضبان.

وأنت ملاحظ ومدرك أن فكرة الهدف الإصلاحي للمجرمين والمعالجات اللينة قد مضى عليها عشرات السنين فلم تجد في أكثر المجرمين نفعًا، بل ومع هذا فالإجرام في تزايد مطرد، فما كان هذا الهدف إلا وهمًا وسرابًا.

كما أن كثيرًا من أصحاب الجريمة يجعلون من السجن دار استجمام وترفه. إن المجتمع الإنساني المعاصر قد بلغ المجرمون فيه ذروة من الاستهتار والاستباحة والاسترخاص للدماء والأموال والأعراض جعلت العقوبات في التشريعات الوضعية ضعيفة هزيلة بجانب سوء صنائع هؤلاء العتاة المجرمين. أي رحمة أو تهذيب يستحقها هؤلاء القتلة والسفاكون وقطاع الطريق؟ وهل كانوا رحماء بضحاياهم الأبرياء؟ وهل كانوا رحماء بالمجتمع كله؟ بل تطور الأمر كما هو مشاهد إلى تطور المجرمين في وسائلهم فصاروا يشكلون العصابات التي تفوق أحيانًا في إمكاناتها ووسائلها وتجهيزاتها الدول والحكومات، ولا أدري أي عقاب سوف ينزله هؤلاء الرحماء بتجار المخدرات وأصحاب الجرائم الكبرى الذين لا نزال نسمع ازدياد أعمالهم وأخبارهم واستفحال إجرامهم حتى أصبحوا ظاهرين غير متسترين، بل صاروا يفاوضون الحكومات علنا في كل البلاد التي لا تحكم بشرع الله؟

وبناء على ما سبق فإن العلم والثقافة والحضارة والمدنية في صورتها الراهنة حينما خلت من العقوبات الرادعة أصبحت عاجزة عن دفع الأخطار عن الإنسان الذي يعيش حياة الخوف والرعب على الأرض وفي الجو والبحر وفي المنزل والمكتب والمصنع والشارع.

<<  <   >  >>