للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك يروى أنه أذن - في الرؤيا - لعثمان في أن يستسلم ويفطر عنده الليلة (١) .

فهذه كلها أمور جرت على رسم النزاع، ولم تخرج عن طريق من طرق الفقه، ولا عدت سبيل الاجتهاد الذي يؤجر فيه المصيب عشرة والمخطئ أجرًا واحدًا (٢) .


(١) مضى الكلام على ذلك في ص ١٣٨ - ١٣٩.
(٢) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (٢: ٢١٩ - ٢٢٠) : ((ولم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء، بل كان من أشد الناس حرصًا على ألا يكون قتال، وكان غيره أحرص على القتال منه. وقتال صفين للناس فيه أقوال: فمنهم من يقول كلاهما كان مجتهدًا مصيبًا، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام والفقه والحديث ممن يقول: كل مجتهد مصيب، ويقول: كانا مجتهدين. وهذا قول كثير من الأشعرية والكرامية والفقهاء وغيرهم، وهو قول كثير من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم، وتقول الكرامية: كلاهما إمام مصيب، ويجوز نصب إمامين للحاجة. ومنهم من يقول: بل المصيب أحدهما لا بعينه، وهذا قول طائفة منهم. ومنهم من يقول: علي هو المصيب وحده ومعاوية مجتهد مخطئ، كما يقول ذلك طوائف من أهل الكلام والفقهاء أهل المذاهب الأربعة. وقد حكى هذه الأقوال الثلاثة أبو عبد الله حامد من أصحاب الإمام أحمد وغيره. ومنهم من يقول: كان الصواب ألا يكون قتال، وكان ترك القتال خيرًا للطائفتين، فليس في الاقتتال صواب، ولكن علي كان أقرب إلى الحق من معاوية، والقتال قتال فتنة، ليس بواجب ولا مستحب، وكان ترك القتال خيرًا للطائفتين مع أن عليًّا كان أولى بالحق، وهذا قول أحمد وأكثر أهل الحديث وأكثر أئمة الفقهاء، وهو قول أكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهو قول عمران بن حصين رضي الله عنه وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال ويقول: هو بيع السلاح في الفتنة. وهو قول أسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأكثر من بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم. ولهذا كان من مذهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة فإنه قد ثبت فضائلهم ووجبت موالاتهم ومحبتهم)) .

<<  <   >  >>