للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ما أوخذ به عثمان من حماية الحمى لإبل الصدقة]

٤ - وأما الحِمى، فكان قديما (١) فيقال إن عثمان زاد فيه لما


(١) كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضا في حيه استعوى كلبا. فحمى لخيله وإبله وسوائمه مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره. فلما جاء الإسلام نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، واختص الحمى بإبل الزكاة المرصدة للجهاد والمصالح العامة، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا حمى إلا لله ورسوله " رواه البخاري من حديث الصعب بن جثامة في كتاب المساقاة (ك ٤٢ ب ١١) وكتاب الجهاد (ك٥٦ ب١٤٦) من صحيحه. ورواه الإمام أحمد في مسنده (٤: ٧١ و٧٣ الطبعة الأولى) من حديث الصعب بن جثامة أيضا. وقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانا يسمى (النقيع) وهو " نقيع الخضمات " كما في مسند الإمام أحمد (٢: ٩١ و١٥٥ و١٥٧ الطبعة الأولى - رقم ٥٦٥٥ و٦٤٣٨ و٦٤٦٤ الطبعة الثانية) من حديث أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع للخيل قال حماد بن خالد راوي هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري: يا أبا عبد الرحمن خيله؟ قال: خيل المسلمين (أي المرصودة للجهاد، أو ما يملكه بيت المال) . والنقيع هذا في المدينة على عشرين فرسخا منها ومساحته ميل في ثمانية أميال كما في موطأ مالك برواية ابن وهب. ومعلوم أن الحال استمر في خلافة أبي بكر على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن أبا بكر لم يخرج عن شيء كان عليه الحال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما وأن حالة الجهاد إلى الخيل والإبل زادت عن قبل. وفي زمن عمر اتسع الحمى فشمل (سرف) و (الربذة) ، وكان لعمر عامل على الحمى هو مولى له يدعى هنيا، وفي كتاب الجهاد من صحيح البخاري (ك٥٦ ب١٨٠) من حديث زيد بن أسلم عن أبيه نص وصية أمير المؤمنين عمر لعامله هذا على الحمى بأن يمنع نعم الأثرياء كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، وأن يتسامح مع رب الغنيمة ورب الصريمة لئلا تهلك ماشيتهما. وكما اتسع عمر في الحمى عما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لزيادة سوائم بيت المال في زمنه، اتسع عثمان بعد ذلك لاتساع الدولة وازدياد الفتوح. فالذي أجازه النبي صلى الله عليه وسلم لسوائم بيت المال، ومضى على مثله أبو بكر وعمر، يجوز مثله لبيت المال في زمن عثمان، ويكون الاعتراض عليه اعتراضا على أمر داخل في التشريع الإسلامي. ولما أجاب عثمان على مسألة الحمى عندما دافع عن نفسه على ملأ من الصحابة أعلن أن الذين يلون له الحمى اقتصروا فيه على صدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، وأنهم ما منعوا ولا نحوا منها أحدا. . . وذكر عن نفسه أنه قبل أن يلي الخلافة كان أكثر العرب بعيرا وشاء، ثم أمسى وليس له غير بعيرين لحجه. وسأل من يعرف ذلك من الصحابة: أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم.

<<  <   >  >>