للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخرج السؤال لا الأمر، وذلك لموضع تجبر فرعون وعتوه.

وقال تعالى مادحا نبيه صلى الله عليه وسلم بما امتن عليه من جعله رحيمًا بالمدعوين، مشفقًا عليهم، وأن ذلك من أسباب إقبالهم عليه فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩] (١) .

وأيضا قد يكون في التعنيف والغلظة على الكافر مفاسد كبيرة، فقد يقوده ذلك لسب الله تعالى، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو سب الإسلام، ولأجل هذا نهى الله تعالى عن سب آلهة الكفار مع أن سبها من الدين، وذلك خشية تولد منكر أعظم قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] (٢) .

وإذا كنا قد أُمرنا بمجادلة أهل الكتاب والملحدين بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم فأهل الإسلام أولى بأن يراعى في جدالهم الرفق واللين، وإظهار الرحمة بهم، وليست هذه قاعدة مطردة، فقد يحتاج المجادل إلى نوع إغلاط وشدة حسب مقتضيات الحال، كما بينت في البصيرة في الوعظ وذلك لمصلحته، لكونه قد يستفيد من الإغلاظ أكثر من الترفق.

على كل حال، فإن حسن الخلق مع الغير قيمة أعلى الإسلام من شأنها، وأكد عليها، وأكثر من الإشارة إليها؛ فهي أحد معايير القرب من الله تعالى.

إلا أننا نلحظ في الآية الكريمة تقييد الموعظة والمجادلة بالحسن، وإطلاق الحكمة.

يقول ابن القيم جوابا على هذا: " أطلق الحكمة ولم يقيدها بوصف الحسنة؛ إذ كلها حسنة، ووصْفُ الحسن لها ذاتي، وأما الموعظة فقيدها بوصف الإحسان، إذ ليس كل موعظة حسنة، وكذلك الجدال قد يكون


(١) آل عمران: ١٥٨.
(٢) الأنعام: ١٠٨.

<<  <   >  >>