للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمقالتك بخلق القرآن، فالله عز وجل أصدق في تمامه وكماله أم أنت في نقصانك؟ ! فأمسك، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، وهذه ثانية.

ثم قال بعد ساعة: أخبرني يا أحمد، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: ٦٧] فمقالتك هذه التي دعوت الناس إليها فيما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأمة أم لا؟ فأمسك، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، وهذه ثالثة.

ثم قال له بعد ساعة: أخبرني يا أحمد لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتك هذه التي دعوت الناس إلى القول بها اتسع له أن أمسك عنهم أم لا؟ قال أحمد: بل اتسع له ذلك، فقال الشيخ: وكذلك لأبي بكر، وكذلك لعمر، وكذلك لعثمان، وكذلك لعلي رحمة الله عليهم؟ قال: نعم.

فصرف وجهه إلى الواثق، وقال: يا أمير المؤمنين، إذا لم يتسع لنا من اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه فلا وسع الله علينا، فقال الواثق: نعم، لا وسع الله علينا إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه.

ثم قال الواثق: اقطعوا قيوده، فلما فكت جاذب عليها، فقال الواثق: دعوه، ثم قال: يا شيخ، لم جاذبت عليها؟ قال: لأني عقدت في نيتي أن أجاذب عليها، فإذا أخذتها أوصيت أن تجعل بين بدني وكفني حتى أقول: يا ربي، سل عبدك: لم قيدني ظلما وأراع بي أهلي؟ فبكى الواثق وبكى الشيخ وكل من حضر.

ثم قال له الواثق: يا شيخ، اجعلني في حل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حل إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقرابتك منه.

فتهلل وجه الواثق وسر، ثم قال له: أقم عندي آنس بك، فقال له: مكاني في ذلك الثغر أنفع، وأنا شيخ كبير، ولي حاجة، قال: سل ما بدا لك، قال: يأذن أمير المؤمنين في الرجوع إلى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم، قال: قد أذنت لك، وأمر له بجائزة فلم يقبلها.

<<  <   >  >>