للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع، ويحث على الشفاعة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان زوج بريرة عبدا يقال له: مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعتيه فإنه أبو ولدك، قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: لا إنما أشفع، قالت: فلا حاجة لي فيه» (١) .

وجاء رجل إلى الحسن بن سهل يستشفع به في حاجة فقضاها فأقبل الرجل يشكره، فقال له الحسن بن سهل: علام تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاة؟ وفي لفظ: ونحن نرى كتب الشفاعات زكاة مروآتنا، ثم أنشأ يقول:

فرضت علي زكاة ما ملكت يدي ... وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا

فإذا ملكت فجد فإن لم تستطع ... فاجهد بوسعك كله أن تنفعا

وذكر عن هارون الرقي رحمه الله، أنه قد عاهد الله ألا يسأله أحد كتاب شفاعة إلا فعل، فجاءه رجل فأخبره أن ابنه قد أسر، وسأله أن يكتب إلى ملك الروم في إطلاقه، فقال له: ويحك! ومن أين يعرفني؟ وإذا سأل عني قيل: هو مسلم فكيف يقضي حقي؟ فقال له السائل: اذكر العهد مع الله تعالى، فكتب إلى ملك الروم، فلما قرأ الكتاب قال: من هذا الذي قد شفع إلينا؟ قيل: هذا رجل قد عاهد الله ألا يسأل كتاب شفاعة إلا كتبه إلى أي من كان، فقال ملك الروم: هذا حقيق بالإسعاف أطلقوا أسيره، واكتبوا جواب كتابه وقولوا له: اكتب بكل حاجة تعرض، فإنا نشفعك فيها.

قال الفزاري:

ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل


(١) أخرجه البخاري (٩ / ٤٠٨) .

<<  <   >  >>