للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد أحسن الشيخ الاختيار، فكان انتقاله إلى الدرعية موفقا، فقد أحسن حاكم الدرعية (محمد بن سعود) استقباله والترحيب به، ووعده بأن يمنعه مما يمنع منه نساءه وأولاده وقال له: " أبشر ببلاد خير من بلادك وبالعزة والمنعة، فرد عليه الشيخ قائلا: وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين، وهذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم فمن تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها العباد والبلاد، وأنت ترى نجدا كلها وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم بعضا، فأرجو أن تكون إماما يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك "، ثم أخذ الشيخ يشرح للأمير محمد بن سعود دعوته وما تدعو إليه حتى اقتنع بها، فتعاهدا معا على نشر مبادئ الدعوة المباركة (١) .

وهكذا تم ما يعرف تاريخيا بـ (اتفاق الدرعية) المشهور سنة ١١٥٧ هـ (١٧٤٤ م) ، فكان - بحق - نقطة تحول هامة في تاريخ تلك الدعوة وفي حياة نجد الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بل وفي تاريخ اليقظة العربية والإسلامية الحديثة (٢) .

وقد بقي الشيخ -رحمه الله - في الدرعية سنتين يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان يرسل برسائله ومناظراته إلى أهل البلدان المجاورة ورؤسائهم وعلمائهم، فمنهم من قبل واتبع الحق، ومنهم من أبى وعارض، ولكن لم يستمر الحال على ذلك طويلا، فقد قام أولئك المعارضون على الشيخ ودعوته بالعدوان، وأعلنوا تكفير الشيخ وأتباعه وإباحة دمائهم، فأمر الشيخ حينئذ أتباعه بالجهاد (٣) دفاعا عن النفس أمام أولئك المعارضين من ناحية، وكسر الطوق وإزاحة حجر العثرة أمام نشر هذه الدعوة من ناحية، فانتقلت الدعوة بذلك إلى مرحلة جديدة ثالثة هي (مرحلة الجهاد لحمل الناس على الحق) وتهيئة الجو الصالح لنشر الدعوة، والعودة بالمسلمين إلى منهج الله وشرعه واتباعه عقيدة ومنهج حياة.


(١) عثمان بن بشر: المرجع السابق ج١ ص ٢٤ و ٢٥.
(٢) محمد عزة دروزة: نشأة الحركة العربية الحديثة ج١ ص ٧٥.
(٣) حسين بن غنام: المصدر السابق ج١ ص ٣٣.

<<  <   >  >>