للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القذاة في عين أخيك، ولا تبصر الجذع المعترض في عينيك (١) .

ولما كان المؤمن طلعة طمحا إلى الكمال والارتقاء إلى المعالي كان لا بد له من النظر إلى عمله نظر الناقد البصير الممحص.

فينظر إلى نيته وقصده، وينظر إلى عمله ومسلكه، ولا يداهن نفسه، ولا يجاملها، فضلا عن أن يزكيها مستروحا إلى جليل ما قدم من نصح أو عمل صالح.

والخطابة من الأمور التي لا ينبغي أن يغفل المرء محاسبة نفسه فيها، ليستقيم قصده، ويصلح علمه.

فعليه أن يقوم خطبه تقويما صادقا دقيقا، لأن ذلك جزء من تقويم الذات، ولوم النفس ومحاسبتها، ليظل مرتقيا في معارج الخير والفلاح.

ومن وسائل تقويم الخطبة: (أ) أن يقوم بتسجيل خطبه، أو بعضها، فيطلب من بعض خاصته أن يفعل ذلك بعيدا عن أعين الناس، ثم يسمعها خاليا مع نفسه ليتبين ما فيها مما يود أنه لم يكن، وما ليس فيها مما يود أنه كان، ليكون أكثر اهتماما، وأشد استعدادا للخطب الأخرى، فيتلافى العيوب والهدات التي وقعت من قبل، ولا يغتر في هذا بثناء العامة، ومدح بعض الخاصة فيطمئن إلى أسلوبه، وعند سماعه لذلك يجب أن يلحظ بدقة كل مخالفة مهما كانت صغيرة أو كبيرة من حيث الصوت، أو الموضوع، أو سرعة الإلقاء أو بطئه، أو طول الوقت أو قصره، وغير ذلك، ولا يستهن بأي أمر يراه خلاف الأولى بأن لا يعيره اهتماما.

(ب) أن يسأل بعض إخوانه الناصحين من أهل العلم، وأهل الفضل الذين يصدقونه النصح والتوجيه، فيأخذ بنصحهم وتوجيههم في هذا الشأن.


(١) تفسير ابن جرير (١٢ / ٣٣٦) .

<<  <   >  >>